{ مثلهم كمثل الذي استوقد نارا } المثل قول يشبه قولا آخر بينهما مشابهة ليبين أحدهما الآخر ويصوره ، ولهذا ضرب الله الأمثال في كتابه . وهو أحد أقسام القرآن السبعة ، ولما ذكر حقيقة وصف المنافقين عقبه بضرب المثل زيادة في الكشف والبيان ، لأنه يؤثر في القلوب ما لا يؤثره وصف الشيء في نفسه ، ولأن المثل تشبيه الشيء الخفي بالجلي فيتأكد الوقوف على ماهيته : وذلك هو النهاية في الإيضاح ، وشرطه أن يكون قولا فيه غرابة من بعض الوجوه واستوقد بمعنى أوقد مثل استجاب بمعنى أجاب ، فالسين والياء زائدتان ، ووقود النار سطوعها وارتفاع لهبها .
{ فلما أضاءت ما حوله } يعني النار ، والإضاءة فرضا الإنارة وفعلها يكون لازما ومتعديا { ذهب الله بنورهم } الذهاب زوال الشيء { وتركهم } أي أبقاهم ، وترك في الأصل بمعنى طرح وخلى { في ظلمات } جمع ظلمة والظلمة عدم النور { لا يبصرون } هذا المثل للمنافقين لبيان ما يظهرونه من الإيمان مع ما يبطنونه من النفاق لا يثبت لهم به أحكام الإسلام كمثل المستوقد الذي أضاءت ناره ثم طفئت ، فإنه يعود إلى الظلمة ولا تنفعه تلك الإضاءة اليسيرة فكان بقاء المستوقد في ظلمات لا يبصر كبقاء المنافق في حيرته وتردده .
قال ابن عباس في الآية نزلت في المنافقين يقول مثلهم في نفاقهم كمثل رجل أوقد نارا في ليلة مظلمة في مفازة فاستدفأ ورأى ما حوله فاتقى مما يخاف ، فبينا هو كذلك إذا طفئت ناره فبقي في ظلمة حائرا متخوفا ، فكذلك حال المنافقين ، أظهروا كلمة الإيمان وآمنوا بها على أنفسهم وأموالهم وأولادهم ، وناكحوا المسلمين وقاسموهم في الغنائم فذلك نورهم ، فلما ماتوا عادوا إلى الظلمة والخوف ، وقيل ذهاب نورهم ظهور عقيدتهم للمؤمنين على لسان رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وقيل في قبر أو على الصراط والأول أولى .
وإنما وصفت هذه النار بالإضاءة مع كونها نار باطل لأن الباطل كذلك يسطع لهب ناره لحظة ثم تخفت ومنه قولهم : للباطل صولة ثم يضمحل .
وقد تقرر عند علماء البلاغة أن لضرب الأمثال شأنا عظيما في إبراز خفيات المعاني ورفع أستار محجبات الدقائق ، ولهذا استكثر الله تعالى ذلك في كتابه العزيز ، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يكثر من ذلك في مخاطباته ومواعظه .
قال ابن جرير : وصح ضرب مثل الجماعة بالواحد كما قال : { رأيتهم ينظرون إليك تدور أعينهم كالذي يغشى عليه من الموت } وقال تعالى : { مثل الذين حملوا التوراة ثم لم يحملوها كمثل الحمار يحمل أسفارا } .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.