فتح البيان في مقاصد القرآن للقنوجي - صديق حسن خان  
{وَمَا كَانَ لِنَفۡسٍ أَن تَمُوتَ إِلَّا بِإِذۡنِ ٱللَّهِ كِتَٰبٗا مُّؤَجَّلٗاۗ وَمَن يُرِدۡ ثَوَابَ ٱلدُّنۡيَا نُؤۡتِهِۦ مِنۡهَا وَمَن يُرِدۡ ثَوَابَ ٱلۡأٓخِرَةِ نُؤۡتِهِۦ مِنۡهَاۚ وَسَنَجۡزِي ٱلشَّـٰكِرِينَ} (145)

( وما كان لنفس ان تموت ) هذا كلام مستأنف يتضمن الحث على الجهاد والإعلام بأن الموت لا بد منه ( إلا بإذن الله ) أي ما كان لها أن تموت إلا مأذونا لها فالاستثناء مفرغ والباء للمصاحبة يعني بقضاء الله وقدره وأمره ، وقيل هذه الجملة متضمنة للإنكار على من فشل بسبب ذلك الإرجاف بقتله صلى الله عليه وآله وسلم فبين لهم ان الموت بالقتل أو بغيره منوط بإذن الله ، وإسناده إلى النفس مع كونها غير مختارة له للإيذان بأنه لا ينبغي لأحد ان يقدم عليه إلا بإذنه .

وفيه تحريض المؤمنين على الجهاد وتشجيعهم على لقاء العدو بإعلامهم بأن الجبن لا ينفع وان الحذر لا يدفع ، والثبات لا يقطع الحياة وان أحدا لا يموت بحيلة فلا فائدة في الجبن والخوف .

وفيه أيضا ذكر حفظ الله رسوله صلى الله عليه وآله وسلم عند غلبة العدو وتخليصه منهم عند التفافهم عليه وإسلام أصحابه له فانجاه الله من عدوه سالما مسلما لم يضره شئ .

( كتابا مؤجلا ) معناه كتب الله الموت كتابا ، والمؤجل المؤقت الذي لا يتقدم على أجله ولا يتأخر ، يعني مؤقتا له أجل معلوم وقيل الكتاب هو اللوح المحفوظ لأن فيه آجال جميع الخلائق ، والأول أولى ، والغرض من هذا السياق توبيخ المنهزمين يوم أحد .

( ومن يرد ) بعمله ( ثواب الدنيا ) كالغنيمة ونحوها ، نزلت في الذين تركوا المركز وطلبوا الغنيمة ، واللفظ يعم كل ما يسمى ثواب الدنيا وإن كان السبب خاصا ( نؤته منها ) أي من ثوابها ما نشاء على ما قدرنا له ، فهو على حذف المضاف .

( ومن يرد ) بعمله ( ثواب الآخرة ) وهو الجنة ، نزلت في الذين ثبتوا مع النبي صلى الله عليه وآله وسلم لكنها عامة في جميع الأعمال ( نؤته منها ) أي من ثوابها ونضاعف له الحسنات أضعافا كثيرة ( وسنجزي الشاكرين ) أي نجزيهم بامتثال ما أمرناهم به كالقتال ونهيناهم عنه كالفرار وقبول الإرجاف ، والمراد بهم إما المجاهدون المعهودون من الشهداء وغيرهم ، وإما جنس الشاكرين وهم داخلون فيه دخولا أوليا ، وإلى الأول أشار في التقرير ، والثاني أولى .