فتح البيان في مقاصد القرآن للقنوجي - صديق حسن خان  
{لَقَدۡ مَنَّ ٱللَّهُ عَلَى ٱلۡمُؤۡمِنِينَ إِذۡ بَعَثَ فِيهِمۡ رَسُولٗا مِّنۡ أَنفُسِهِمۡ يَتۡلُواْ عَلَيۡهِمۡ ءَايَٰتِهِۦ وَيُزَكِّيهِمۡ وَيُعَلِّمُهُمُ ٱلۡكِتَٰبَ وَٱلۡحِكۡمَةَ وَإِن كَانُواْ مِن قَبۡلُ لَفِي ضَلَٰلٖ مُّبِينٍ} (164)

( لقد من الله على المؤمنين ) أي أحسن إليهم وتفضل عليهم ، والمنة النعمة العظيمة ، وخص المؤمنين لكونهم المنتفعين ببعثة الرسول ( إذ بعث فيهم رسولا من أنفسهم ) يعني من جنسهم عربيا مثلهم ، ولد ببلدهم ، ونشأ بينهم يعرفون نسبه ، وقيل بشرا مثلهم ، ووجه المنة على الأول انهم يفقهون عنه ويفهمون كلامه ، ولا يحتاجون إلى ترجمان ، ومعناها على التاني أنهم يأنسون به بجامع البشرية ، ولو كان ملكا لم يحصل كمال الأنس به لاختلاف الجنسية .

وقرئ من أنفسهم بفتح الفاء أي أشرفهم ، لأنه من بني هاشم ، وبنو هاشم أفضل من قريش وقريش أفضل من العرب ، والعرب أفضل من غيرهم .

ولعل وجه الامتنان على هذه القراءة انه لما كان من أشرفهم كانوا أطوع له وأقرب إلى تصديقه ، ولا بد من تخصيص المؤمنين في هذه الآية بالعرب على الوجه الأول ، وأما على الوجه الثاني فلا حاجة إلى هذه التخصيص ، وكذا على قراءة من قرأ بفتح الفاء لا حاجة إلى التخصيص ، لأن بني هاشم هم أنفس العرب والعجم في شرف الأصل وكرم النجار{[383]} ورفاعة المحتد .

ويدل على الوجه الأول قوله تعالى ( هو الذي بعث في الأميين رسولا منهم ) وقوله ( وإنه لذكر لك ولقومك ) .

وكان فيما خطب به أبو طالب حين زوج رسول الله صلى الله عليه وسلم خديجة بنت خويلد وقد حضر ذلك بنو هاشم ورؤساء مضر : الحمد لله الذي جعلنا من ذرية إبراهيم وزرع إسماعيل وضئضئ معد ، وعنصر مضر ، وجعلنا الحكام سدنة بيته وسواس حرمه ، وجعل لنا بيتا محجوجا وحرما آمنا ، وجعلنا الحكام على الناس . وإن ابني هذا محمد بن عبد الله لا يوزن به فتى إلا رجح ، وهو والله بعد هذا له نبأ عظيم وخطب جليل .

( يتلو عليهم آياته ) هذه منة ثانية أي يتلو عليهم القرآن بعد ان كانوا أهل جاهلية لا يعرفون شيئا من الشرائع ، ولم يطرق أسماعهم الوحي ( ويزكيهم ) أي يطهرهم من نجاسة الكفر والذنوب ، ودنس المحرمات والخبائث ( ويعلمهم الكتاب ) أي القرآن ( والحكمة ) السنة .

وقد تقدم في البقرة تفسير ذلك وكل واحد من هذه الأمور نعمة جليلة على حيالها مستوجبة للشكر ( وإن كانوا من قبل ) أي قبل محمد صلى الله عليه وسلم أو من قبل بعثته ( لفي ضلال مبين ) واضح لا ريب فيه .


[383]:النجار بالضم والكسر الأصل والحسب ا هـ منه.