{ وإذا ضربتم في الأرض فليس عليكم جناح أن تقصروا من الصلاة إن خفتم أن يفتنكم الذين كفروا إن الكافرين كانوا لكم عدوا مبينا ( 101 ) }
{ وإذا ضربتم في الأرض } هذا شروع في بيان كيفية الصلاة عند الضرورات من السفر ولقاء العدو والمرض والمطر ، وفيه تأكيد لعزيمة المهاجر على الهجرة وترغيب له فيها لما فيه من تخفيف المؤنة أي إذا سافرتم أي مسافرة كانت ، ولذلك لم تقيد بما قيد به المهاجرة وقد تقدم تفسير الضرب في الأرض قريبا .
{ فبيس عليكم جناح } أي وزر ولا حرج في { أن تقصروا من الصلاة } يعني من أربع ركعات إلى ركعتين وذلك في صلاة الظهر والعصر والعشاء ، وأصل القصر في اللغة التضييق وقيل هو ضم الشيء على أصله ، وفسر ابن الجوزي القصر بالنقص ، ولم أره لأحد من أهل التفسير واللغة ، ومن للتبعيض .
وفي الآية دليل على أن القصر ليس بواجب إليه ذهب الجمهور ، وذهب الأقلون إلى أنه واجب ومنهم عمر بن عبد العزيز والكوفيون والقاضي إسماعيل وحماد بن أبي سليمان ، وهو مروي عن مالك ، واستدلوا بحديث عائشة الثابت في الصحيح ( فرضت الصلاة ركعتين ركعتين فزيدت في الحضر وأقرت في السفر ) ولا يقدح في ذلك مخالفتها لما روت ، فالعمل على الرواية الثابتة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم .
ومثله حديث يعلى بن أمية قال سألت عمر بن الخطاب قلت : { ليس عليكم جناح أن تقصروا من الصلاة إن خفتم أن يفتنكم الذين كفروا } وقد أمن الناس فقال لي عمر عجبت مما عجبت منه فسألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك فقال : ( صدقة تصدق الله بها عليكم فاقبلوا صدقته ) أخرجه أحمد ومسلم وأهل السنن{[533]} .
وظاهر قوله ( فاقبلوا صدقته ) أن القصر واجب ، وظاهر هذا الشرط أعني { إن خفتم أن يفتنكم } أي يغتالكم ويقتلكم في الصلاة { الذين كفروا } أن القصر لا يجوز في السفر إلا مع خوف الفتنة من الكافرين لا مع الأمن ، ولكنه قد تقرر بالسنة أن النبي صلى الله عليه وسلم قصر مع الأمن كما عرفت .
فالقصر مع الخوف ثابت بالكتاب ، والقصر مع الأمن ثابت بالسنة ، ومفهوم الشرط لا يقوى على معارضة ما تواتر عنه صلى الله عليه وسلم من القصر مع الأمن .
وقد قيل إن الشرط خرج مخرج الغالب ، لأن الغالب على المسلمين إذ ذاك القصر للخوف في الأسفار ، ولهذا قال يعلى بن أمية لعمر كما تقدم .
وذهب جماعة من أهل العلم إلى أن هذه الآية إنما هي مبيحة للقصر في السفر للخائف من العدو ، فمن كان آمنا فلا قصر له ، وإليه ذهب داود الظاهري .
وذهب آخرون إلى أن قوله { إن خفتم } ليس متصلا بما قبله ، وأن الكلام تم عند قوله { من الصلاة } ثم افتتح فقال { إن خفتم أن يفتنكم الذين كفروا } فأقم لهم يا محمد صلاة الخوف .
قال الفراء أهل الحجاز يقولون فتنت الرجل ، وربيعة وقيس وأسد وجميع أهل نجد يقولون أفتنت الرجل ، وفرق الخليل وسيبويه بينهما فقالا : فتنته جعلت فيه فتنة مثل كحلته ، أفتنته جعلته مفتنا ، وزعم الأصمعي أنه لا يعرف أفتنته ، والمراد بالفتنة القتال والتعرض بما يكره { وإن الكافرين كانوا لكم عدوا مبينا } معترض ذكر معنى هذا الجرجاني والمهدوي وغيرهما ، ورده القشيري والقاضي أبو بكر بن العربي .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.