فتح البيان في مقاصد القرآن للقنوجي - صديق حسن خان  
{قُلۡ مَا كُنتُ بِدۡعٗا مِّنَ ٱلرُّسُلِ وَمَآ أَدۡرِي مَا يُفۡعَلُ بِي وَلَا بِكُمۡۖ إِنۡ أَتَّبِعُ إِلَّا مَا يُوحَىٰٓ إِلَيَّ وَمَآ أَنَا۠ إِلَّا نَذِيرٞ مُّبِينٞ} (9)

{ قل ما كنت بدعا من الرسل } البدع من كل شيء المبدأ أي ما أنا بأول رسول كذا قال ابن عباس يعني قد بعث الله قبلي كثيرا من الرسل ، وقيل البدع بمعنى البديع كالخف والخفيف ، والبديع ما لم ير له مثل من الابتداع وهو الاختراع ، وشيء بدع بالكسر أي مبتدع . وفلان بدع في هذا الأمر أي بديع كذا قال الأخفش ، وقرئ بدعا بفتح الدال مصدرا على تقدير حذف مضاف ، أي ما كنت ذا بدع قاله أبو البقاء . وقرئ بفتح الباء وكسر الدال على الوصف كحذر .

{ وما أدري ما يفعل بي } فيما يستقبل من الزمان ، هل أبقى في مكة ؟ أو أخرج منها ؟ وهل أموت أو أقتل كما فعل بالأنبياء قبلي ؟ قرئ يفعل مبنيا للمفعول وللفاعل وما استفهامية كما جرى عليه المحلي ، أو موصولة كما قال الزمخشري .

{ ولا } أدري ما يفعل { بكم } يعني هل تعجل لكم العقوبة كالمكذبين قبلكم ؟ أم تمهلون وهذا إنما هو في الدنيا وأما في الآخرة فقد علم أنه وأمته في الجنة ، وأن الكافرين في النار ، وقيل إن المعنى ما أدري ما يفعل بي ولا بكم يوم القيامة وأنها لما نزلت قدح المشركون ، وقالوا : كيف نتبع نبيا لا يدري ما يفعل به ولا بنا ؟ وأنه لا فضل له علينا ، فنزل قوله تعالى : { ليغفر لك الله ما تقدم من ذنبك وما تأخر } ، والأول أولى .

قال ابن عباس رضي الله عنه : " فأنزل الله تعالى بعد هذا { ليغفر لك الله } الخ ، وقوله : { ليدخل المؤمنين والمؤمنات جنات } الآية فأعلم الله سبحانه نبيه صلى الله عليه وسلم ما يفعل به وبالمؤمنين جميعا وأرغم الله أنف الكفار وأخرج أبو داود في ناسخه أن هذه الآية منسوخة بقوله : { ليغفر لك الله } وقد ثبت في صحيح البخاري وغيره من حديث أم العلاء قالت : " لما مات عثمان بن مظعون رضي الله تعالى عنه قلت رحمك الله يا أبا السائب شهادتي عليك لقد أكرمك الله ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : وما يدريك أن الله أكرمه ؟ أما هو فقد جاءه اليقين من ربه ، وإني لأرجو له الخير ، وما أدري وأنا رسول الله ما يفعل بي ولا بكم . قالت أم العلاء : فوالله لا أزكي بعده أحدا " .

{ إن أتبع إلا ما يوحى إلي } قرأ الجمهور مبنيا للمفعول أي ما أتبع إلا القرآن ولا أبتدع من عندي شيئا والمعنى قصر أفعاله صلى الله عليه وسلم على الوحي ، لا قصر اتباعه على الوحي { وما أنا إلا نذير مبين } أي أنذركم عقاب الله وأخوفكم عذابه على وجه الإيضاح .