فتح البيان في مقاصد القرآن للقنوجي - صديق حسن خان  
{۞وَٱتۡلُ عَلَيۡهِمۡ نَبَأَ ٱبۡنَيۡ ءَادَمَ بِٱلۡحَقِّ إِذۡ قَرَّبَا قُرۡبَانٗا فَتُقُبِّلَ مِنۡ أَحَدِهِمَا وَلَمۡ يُتَقَبَّلۡ مِنَ ٱلۡأٓخَرِ قَالَ لَأَقۡتُلَنَّكَۖ قَالَ إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ ٱللَّهُ مِنَ ٱلۡمُتَّقِينَ} (27)

{ واتل عليهم نبأ ابني آدم بالحق إذ قربا قربانا فتقبل من أحدهما ولم يتقبل من الآخر قال لأقتلنك قال إنما يتقبل الله من المتقين ( 27 ) لئن بسطت إلي يدك لتقتلني ما أنا بباسط يدي إليك لأقتلك إني أخاف الله رب العالمين ( 28 ) } .

{ واتل عليهم نبأ ابني آدم } وجه اتصال هذا بما قبله التنبيه من الله على أن ظلم اليهود ونقضهم المواثيق والعهود هو كظلم ابن آدم لأخيه ، فالداء قديم ، والشر أصيل ، وقد اختلف أهل العلم في بني آدم المذكورين هل هما لصلبه أم لا ؟ فذهب الجمهور إلى الأول ، وذهب الحسن والضحاك إلى الثاني ، وقالا : " إنهما كانا من بني إسرائيل ، فضرب بهما المثل في إبانة حسد اليهود ، وكانت بينهما خصومة فتقربا بقربانين ولم تكن القرابين إلا في بني إسرائيل " .

قال ابن عطية : " هذا وهم ، كيف يجهل صورة الدفن أحد من بني إسرائيل حتى يقتدي بالغراب " ، قال الجمهور من الصحابة فمن بعدهم اسمهما قابيل وهابيل .

{ بالحق } أي تلاوة متلبسة بالحق ، واختاره الزمخشري أو نبأ متلبسا بالحق ، { إذ قربا قربانا } القربان اسم لما يتقرب به إلى الله عز وجل من صدقة أو ذبيحة أو نسك أو غير ذلك مما يتقرب به ، قال الزمخشري ، وقيل المصدر أطلق على الشيء المتقرب به ، قاله أبو علي الفارسي وكان قربان قابيل حزمة من سنبل لأنه كان صاحب زرع ، واختارها من أردأ زرعه حتى إنه وجد فيها سنبلة طيبة ففركها وأكلها ، وكان قربان هابيل كبشا لأنه كان صاحب غنم أخذه من أجود غنمه .

{ فتقبل } القربان { من أحدهما } وهو هابيل فرفع إلى الجنة فلم يزل يرعى فيها إلى أن فدى به الذبيح عليه السلام ، وكذا قال جماعة من السلف ، وقيل نزلت نار من السماء فأكلت قربانه { ولم يتقبل من الآخر } أي قابيل فحسده وأضمر الحسد في نفسه إلى أن حج آدم .

{ قال لأقتلنك } قيل سبب هذا القربان أن حواء كانت تلد في كل بطن ذكرا وأنثى إلا شيثا عليه السلام فإنها ولدته منفردا ، وكان آدم عليه السلام يزوج الذكر من هذا البطن بالأنثى من الآخر ، ولا تحل له أخته التي ولدت معه ، فولدت مع قابيل أخت جميلة وإسمها إقليما ، ومع هابيل أخت ليست كذلك وإسمها ليوذا ، فلما أراد آدم تزويجهما قال قابيل أنا أحق بأختي فأمره آدم فلم يأتمر وزجره فلم ينزجر ، فاتفقوا على القربان وأنه يتزوجها من تقبل قربانه ، قال ابن عباس : قال ابن كثير في تفسيره إسناده جيد ، وكذا قال السيوطي في الدر المنثور .

{ قال إنما يتقبل الله من المتقين } استئناف كالأول كأنه قيل فماذا قال الذي تقبل قربانه فقال : قال الخ ، وإنما للحصر أي إنما يتقبل القربان من المتقين لا من غيرهم ، وكأنه يقول لأخيه إنما أتيت من قبل نفسك لا من قبلي ، فإن عدم تقبل قربانك بسبب عدم تقواك وأن حصول التقوى شرط في قبول الأعمال ، وعن ابن عباس قال : كان من شأن بني آدم أنه لم يكن مسكين يتصدق عليه ، وإنما كان القربان يقربه الرجل فبينما ابنا آدم قاعدان إذ قالا لو قربنا قربانا ثم ذكر ما قررناه .