فتح البيان في مقاصد القرآن للقنوجي - صديق حسن خان  
{فَلَآ أُقۡسِمُ بِٱلشَّفَقِ} (16)

{ فلا أقسم بالشفق } لا زائدة كما تقدم في أمثال هذه العبارة وقد قدمنا الخلاف فيها في سورة القيامة فارجع إليه .

أقسم بمخلوقاته تشريفا لها وتعريضا للاعتبار بها ، والشفق الحمرة التي تكون بعد غروب الشمس إلى وقت صلاة العشاء الآخرة ، قال الواحدي : هذا قول المفسرين وأهل اللغة جميعا ، قال الفراء : سمعت بعض العرب يقول عليه ثوب مصبوغ كأنه الشفق وكان أحمرا ، وحكاه القرطبي عن أكثر الصحابة والتابعين والفقهاء .

وقال أسد بن عمرو وأبو حنيفة رحمه الله : في إحدى الروايتين عنه أنه البياض ، ولا وجه لهذا القول ولا متمسك له لا من لغة العرب ولا من الشرع ، قال الخليل الشفق الحمرة من غروب الشمس إلى وقت العشاء الآخرة .

قال في الصحاح : الشفق بقية ضوء الشمس وحمرتها في أول الليل إلى قريب العتمة ، وكتب اللغة والشرع مطبقة على هذا{[1705]} .

وقال مجاهد : الشفق النهار كله ، ألا تراه قال { والليل وما وسق } وقال عكرمة هو ما بقي من النهار ، وإنما قالا هذا لقوله بعده { والليل وما وسق } فكأنه تعالى أقسم بالضياء والظلام ، ولا وجه لهذا على أنه قدر روي عن عكرمة أنه قال الشفق الذي يكون بين المغرب والعشاء ، وروي عن أسد بن عمرو الرجوع ، وعن عمر بن الخطاب قال الشفق الحمرة ، وعن ابن عباس نحوه ، وعن أبي هريرة الشفق النهار كله .

وقال الراغب الشفق اختلاط ضوء النهار بسواد الليل عند غروب الشمس ، وقال الزمخشري الشفق الحمرة التي ترى في المغرب بعد سقوط الشمس وبسقوطه يخرج وقت المغرب ويدخل وقت العتمة عند عامة العلماء إلا ما يروى عن أبي حنيفة في إحدى الروايتين أنه البياض وروى أسد بن عمرو أنه رجع عنه انتهى ، وسمي شفقا لرقته ومنه الشفقة على الإنسان وهي رقة القلب عليه .


[1705]:أخرجه الدارقطني في "سننه" ص 100، وصحح البيهقي وقفه، وقال في "المعرفة": روي هذا الحديث عن عمر، وعلي، وابن عباس، وعبادة بن الصامت، وشداد بن أوس، وأبي هريرة، ولا يصح عن النبي صلى الله عليه وسلم فيه شيء، وذكره السيوطي في "الدر" موقوفا على ابن عمر، وعزاه إلى عبد الرزاق، وابن أبي شيبة، وابن المنذر، وعبد بن حميد، وابن مردويه.