الدر المنثور في التفسير بالمأثور للسيوطي - السيوطي  
{وَمَآ أَرۡسَلۡنَا مِن قَبۡلِكَ مِن رَّسُولٖ وَلَا نَبِيٍّ إِلَّآ إِذَا تَمَنَّىٰٓ أَلۡقَى ٱلشَّيۡطَٰنُ فِيٓ أُمۡنِيَّتِهِۦ فَيَنسَخُ ٱللَّهُ مَا يُلۡقِي ٱلشَّيۡطَٰنُ ثُمَّ يُحۡكِمُ ٱللَّهُ ءَايَٰتِهِۦۗ وَٱللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٞ} (52)

أخرج عبد بن حميد وابن الأنباري في المصاحف ، عن عمرو بن دينار قال : كان ابن عباس رضي الله عنه يقرأ «وما أرسلنا من قبلك من رسول ، ولا نبي ولا محدث » .

وأخرج ابن أبي حاتم ، عن سعد بن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف قال : إن فيما أنزل الله { وما أرسلنا من قبلك من رسول ولا نبي } [ ولا محدث ] فنسخت محدث والمحدثون : صاحب يس ولقمان وهو من آل فرعون ، وصاحب موسى .

وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم ، عن مجاهد رضي الله عنه قال : النبي وحده الذي يكلم وينزل عليه ولا يرسل .

وأخرج عبد بن حميد من طريق السدي ، عن أبي صالح قال : قام رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال المشركون : إن ذكر آلهتنا بخير ، ذكرنا آلهته بخير ف { ألقى الشيطان في أمنيته } { أفرأيتم اللات والعزى ومناة الثالثة الأخرى } [ النجم : 19- 20 ] إنهن لفي الغرانيق العلى ، وإن شفاعتهن لترتجى . قال : فأنزل الله { وما أرسلنا من قبلك من رسول ولا نبي إلا إذا تمنى ألقى الشيطان في أمنيته } . فقال ابن عباس : إن أمنيته ؛ أن يسلم قومه .

وأخرج البزار والطبراني وابن مردويه والضياء في المختارة بسند رجاله ثقات من طريق سعيد بن جبير ، عن ابن عباس قال : إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قرأ { أفرأيتم اللات والعزى ومناة الثالثة الأخرى } تلك الغرانيق العلى ، وإن شفاعتهن لترتجى ففرح المشركون بذلك ، وقالوا : قد ذكر آلهتنا فجاءه جبريل فقال : اقرأ عليَّ ما جئتك به ، فقرأ { أفرأيتم اللات والعزى ومناة الثالثة الأخرى } تلك الغرانيق العلى وإن شفاعتهن لترتجى . فقال : ما أتيتك بهذا ! هذا من الشيطان . فأنزل الله { وما أرسلنا من قبلك من رسول ولا نبي إلا إذا تمنى } إلى آخر الآية .

وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وابن مردويه بسند صحيح ، عن سعيد بن جبير قال : قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم بمكة النجم ، فلما بلغ هذا الموضع { أفرأيتم اللات والعزى ومناة الثالثة الأخرى } ألقى الشيطان على لسانه تلك الغرانيق العلى وإن شفاعتهن لترتجى . قالوا : ما ذكر آلهتنا بخير قبل اليوم ، فسجد وسجدوا ، ثم جاءه جبريل بعد ذلك قال : اعرض عليَّ ما جئتك به . فلما بلغ : تلك الغرانيق العلى وإن شفاعتهن لترتجى . قال له جبريل : لم آتك بهذا ؛ هذا من الشيطان فأنزل الله { وما أرسلنا من قبلك من رسول ولا نبي } .

وأخرج ابن جرير وابن مردويه من طريق العوفي ، عن ابن عباس : أن النبي - صلى الله عليه وسلم - بينما هو يصلي إذ نزلت عليه قصة آلهة العرب ، فجعل يتلوها ، فسمعه المشركون فقالوا : إنا نسمعه يذكر آلهتنا بخير ، فدنوا منه فبينما هو يتلوها وهو يقول : { أفرأيتم اللات والعزى ومناة الثالثة الأخرى } ألقى الشيطان : إن تلك الغرانيق العلى منها الشفاعة ترتجى .

فعلق يتلوها ، فنزل جبريل فنسخها ، ثم قال : { وما أرسلنا من قبلك من رسول ولا نبي } إلى قوله { حكيم } .

وأخرج ابن مردويه من طريق الكلبي ، عن أبي صالح ، عن ابن عباس ومن طريق أبي بكر الهذلي ، وأيوب عن عكرمة ، عن ابن عباس رضي الله عنه ، ومن طريق سليمان التيمي ، عمن حدثه ، عن ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قرأ سورة النجم وهو بمكة ، فأتى على هذه الآية { أفرأيتم اللات والعزى ومناة الثالثة الأخرى } فألقى الشيطان على لسانه : إنهن الغرانيق العلى . فأنزل الله { وما أرسلنا من قبلك } .

وأخرج عبد بن حميد وابن جرير من طريق يونس ، عن ابن شهاب حدثني أبو بكر بن عبد الرحمن بن الحارث : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو بمكة قرأ سورة النجم ، فلما بلغ { أفرأيتم اللات والعزى ومناة الثالثة الأخرى } قال : إن شفاعتهن ترتجى ، وسها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ففرح المشركون بذلك فقال : «إلا إنما كان ذلك من الشيطان » فأنزل الله { وما أرسلنا من قبلك من رسول ولا نبي إلا إذا تمنى ألقى الشيطان في أمنيته } حتى بلغ { عذاب يوم عقيم } مرسل صحيح الإسناد .

وأخرج ابن أبي حاتم من طريق موسى بن عقبة ، عن ابن شهاب قال : لما أنزلت سورة النجم ، وكان المشركون يقولون : لو كان هذا الرجل يذكر آلهتنا بخير أقررناه وأصحابه ، ولكن لا يذكر من خالف دينه من اليهود والنصارى بمثل الذي يذكر آلهتنا من الشتم والشر . وكان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قد اشتد عليه ما ناله وأصحابه من أذاهم وتكذيبهم ، وأحزنته ضلالتهم ، فكان يتمنى كف أذاهم ، فلما أنزل الله سورة النجم قال : { أفرأيتم اللات والعزى ومناة الثالثة الأخرى } القى الشيطان عندها كلمات ، حين ذكر الطواغيت ، فقال : وإنهن لهن الغرانيق العلى ، وإن شفاعتهن لهي التي ترتجى . فكان ذلك من سجع الشيطان وفتنته ، فوقعت هاتان الكلمتان في قلب مشرك بمكة ، وذلقت بها ألسنتهم ، وتباشروا بها وقالوا : إن محمداً قد رجع إلى دينه الأوّل ، ودين قومه . فلما بلغ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - آخر النجم سجد وسجد كل من حضر من مسلم ومشرك ، ففشت تلك الكلمة في الناس ، وأظهرها الشيطان حتى بلغت أرض الحبشة . فأنزل الله { وما أرسلنا من قبلك من رسول ولا نبي } . فلما بيَّن الله قضاءه وبرأه من سجع الشيطان ، انقلب المشركون بضلالتهم وعداوتهم للمسلمين ، واشتدوا عليه .

وأخرجه البيهقي في الدلائل ، عن موسى بن عقبة ، ولم يذكر ابن شهاب .

وأخرج الطبراني ، عن عروة مثله سواء .

وأخرج سعيد بن منصور وابن جرير ، عن محمد بن كعب القرظي ومحمد بن قيس قالا : جلس رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في ناد من أندية قريش كثير أهله ، فتمنى يومئذ أن لا يأتيه من الله شيء ؛ فيتفرقون عنه . فأنزل الله عليه { والنجم إذا هوى } [ النجم : 1 ] فقرأها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حتى بلغ { أفرأيتم اللات والعزى ومناة الثالثة الأخرى } [ النجم : 19 ] . ألقى الشيطان كلمتين : تلك الغرانيق العلى ، وإن شفاعتهن لترتجى . فتكلم بها ، ثم مضى فقرأ السورة كلها ، ثم سجد في آخر السورة وسجد القوم جميعاً معه ، ورضوا بما تكلم به ، فلما أمسى أتاه جبريل فعرض عليه السورة ، فلما بلغ الكلمتين اللتين ألقى الشيطان عليه قال : ما جئتك بهاتين الكلمتين . فقال رسول الله : - صلى الله عليه وسلم - افتريت على الله وقلت ما لم يقل . فأوحى الله إليه { وإن كادوا ليفتنونك } [ الإسراء : 73 ] إلى قوله { نصيراً } [ الإسراء : 75 ] فما زال مغموماً مهموماً من شأن الكلمتين ، حتى نزلت { وما أرسلنا من قبلك } . فسري عنه وطابت نفسه .

وأخرج ابن جرير ، عن الضحاك : أن النبي - صلى الله عليه وسلم - وهو بمكة أنزل عليه في آلهة العرب ، فجعل يتلو اللات والعزى ويكثر ترديدها ، فسمعه أهل مكة وهو يذكر آلهتهم ، ففرحوا بذلك ودنوا يسمعون ، فألقى الشيطان في تلاوته : تلك الغرانيق العلى منها الشفاعة ترتجى ، فقرأها النبي صلى الله عليه وسلم كذلك ، فأنزل الله { وما أرسلنا من قبلك } إلى قوله { حكيم } .

وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم بسند صحيح ، عن أبي العالية قال : قال المشركون لرسول الله صلى الله عليه وسلم : لو ذكرت آلهتنا في قولك قعدنا معك ، فإنه ليس معك إلا أراذل الناس وضعفاؤهم ، فكانوا إذا رأونا عندك تحدث الناس بذلك فأتوك . فقام يصلي فقرأ { والنجم } حتى بلغ { أفرأيتم اللات والعزى ومناة الثالثة الأخرى } تلك الغرانيق العلى وشفاعتهن ترتجى ومثلهن لا ينسى ، فلما فرغ من ختم السورة سجد وسجد المسلمون والمشركون . فبلغ الحبشة : إن الناس قد أسلموا ، فشق ذلك على النبي - صلى الله عليه وسلم - فأنزل الله { وما أرسلنا من قبلك } إلى قوله { عذاب يوم عقيم } .

وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم ، عن أبي العالية قال : نزلت سورة النجم بمكة ، فقالت قريش : يا محمد ، إنه يجالسك الفقراء والمساكين ويأتيك الناس من أقطار الأرض ، فإن ذكرت آلهتنا بخير جالسناك ، فقرأ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - سورة { النجم } فلما أتى على هذه الآية { أفرأيتم اللات والعزى ومناة الثالثة الأخرى } [ النجم : 19 ] ألقى الشيطان على لسانه : وهي الغرانيق العلى شفاعتهن ترتجى . فلما فرغ من السورة سجد وسجد المسلمون والمشركون ، إلا أبا احيحة [ ] سعيد بن العاص ؛ فإنه أخذ كفاً من تراب فسجد عليها وقال : قد آن لابن أبي كبشة أن يذكر آلهتنا بخير ، فبلغ ذلك المسلمين الذين كانوا بالحبشة : أن قريشاً قد أسلمت ، فأرادوا أن يقبلوا واشتد على رسول الله صلى الله عليه وسلم وعلى أصحابه ما ألقى الشيطان على لسانه ، فأنزل الله { وما أرسلنا من قبلك من رسول ولا نبي } .

وأخرج ابن أبي حاتم ، عن قتادة قال : بينما رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يصلي عند المقام إذ نعس ، فألقى الشيطان على لسانه كلمة فتكلم بها ، وتعلق بها المشركون عليه فقال { أفرأيتم اللات والعزى ومناة الثالثة الأخرى } فألقى الشيطان على لسانه ، ونعس ، وإن شفاعتها لترتجى وإنها لمع الغرانيق العلى ، فحفظها المشركون ، وأخبرهم الشيطان : أن نبي الله - صلى الله عليه وسلم - قد قرأها فزلت بها ألسنتهم ، فأنزل الله { وما أرسلنا من قبلك من رسول ولا نبي } . فدحر الله الشيطان ، ولقن نبيه حجته .

وأخرج عبد بن حميد ، عن مجاهد : أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم قرأ النجم ، فألقى الشيطان على فيه أحكم آياته .

وأخرج عبد بن حميد ، عن عكرمة قال : قرأ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ذات يوم { أفرأيتم اللات والعزى ومناة الثالثة الأخرى ألكم الذكر وله الأنثى تلك إذا قسمة ضيزى } [ النجم : 19 - 22 ] فألقى الشيطان على لسان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - تلك إذن في الغرانيق العلى تلك إذن شفاعة ترتجى ، ففزع رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وجزع ! فأوحى الله إليه { وكم من ملك في السماوات لا تغني شفاعتهم شيئاً } [ النجم : 26 ] ثم أوحى إليه ففرج عنه { وما أرسلنا من قبلك من رسول ولا نبي إلا إذا تمنى ألقى الشيطان في أمنيته } إلى قوله { حكيم } .

وأخرج ابن أبي حاتم ، عن السدي قال : خرج النبي صلى الله عليه وسلم إلى المسجد ليصلي ، فبينما هو يقرأ ، إذ قال : { أفرأيتم اللات والعزى ومناة الثالثة الأخرى } فألقى الشيطان على لسانه فقال : تلك الغرانقة العلى وإن شفاعتهن ترتجى ، حتى إذا بلغ آخر السورة سجد وسجد أصحابه وسجد المشركون لذكره آلهتهم ، فلما رفع رأسه حملوه ، فاشتدوا به بين قطري مكة يقولون : نبي بني عبد مناف ، حتى إذا جاءه جبريل عرض عليه ، فقرأ ذينك الحرفين ، فقال جبريل معاذ الله أن أكون أقرأتك هذا ! فاشتد عليه فأنزل الله يطيب نفسه { وما أرسلنا من قبلك } .

وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم ، عن ابن عباس { إذا تمنى ألقى الشيطان في أمنيته } يقول : إذا حدّث ألقى الشيطان في حديثه .

وأخرج ابن أبي حاتم ، عن الضحاك في قوله { إذا تمنى } يعني بالتمني التلاوة والقراءة { ألقى الشيطان في أمنيته } في تلاوة النبي { فينسخ الله } ينسخ جبريل بأمر الله { ما ألقى الشيطان } على لسان النبي صلى الله عليه وسلم .

وأخرج عبد بن حميد وابن أبي حاتم ، عن مجاهد { إذا تمنى } قال : تكلم في أمنيته قال : كلامه .