الدر المصون في علم الكتاب المكنون للسمين الحلبي - السمين الحلبي  
{وَمَآ أَرۡسَلۡنَا مِن قَبۡلِكَ مِن رَّسُولٖ وَلَا نَبِيٍّ إِلَّآ إِذَا تَمَنَّىٰٓ أَلۡقَى ٱلشَّيۡطَٰنُ فِيٓ أُمۡنِيَّتِهِۦ فَيَنسَخُ ٱللَّهُ مَا يُلۡقِي ٱلشَّيۡطَٰنُ ثُمَّ يُحۡكِمُ ٱللَّهُ ءَايَٰتِهِۦۗ وَٱللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٞ} (52)

قوله : { إِلاَّ إِذَا تَمَنَّى أَلْقَى الشَّيْطَانُ } : في هذه الجملةِ بعد " إلاَّ " ثلاثةُ أوجهٍ ، أحدها : أنها في محلِّ نصبٍ على الحال من " رسول " والمعنى : وما أَرْسَلْناه إلاَّ حالُهُ هذه ، والحالُ محصورةً . الثاني : أنها في محلِّ الصفةِ ل " رسول " ، فيجوزُ أَنْ يُحْكَمَ على موضعها بالجرِّ باعتبارِ لفظِ الموصوف ، وبالنصبِ باعتبارِ محلِّه ؛ فإنَّ " مِنْ " مزيدةٌ فيه . الثالث : أنَّها في موضعِ استثناءٍ من غيرِ الجنس . قاله أبو البقاء . يعني أنه استثناءٌ منطقعٌ .

و " إذا " هذه يجوزُ أَنْ تكونَ شرطيةً ، وهو الظاهر ، وإليه ذهب الحوفيُّ ، وأَنْ تكونَ لمجردِ الظرفية . قال الشيخ : " ونَصَّوا على أنَّه يَليها في النفي يعني " إلاَّ " المضارعُ بلا شرطٍ نحو : ما زيدٌ إلاَّ يفعلُ ، وما رأيتُ زيداً إلاَّ يفعلُ ، والماضي بشرطِ تقدُّم فِعلٍ نحو : { مَا يَأْتِيهِمْ مِّن رَّسُولٍ إِلاَّ كَانُواْ } [ يس : 30 ] أو مصاحبةِ قد [ نحو : ] " ما زيدٌ إلاَّ قد فعل " . وما جاء بعد " إلاَّ " في الآية جملةُ شرطية ، ولم يَلِها ماضٍ مصحوبٌ ب " قَدْ " ولا عارٍ منها . فإنْ صَحَّ ما نَصُّوا عليه يُؤَوَّل على أنَّ " إذا " جُرِّدَتْ للظرفية ولا شرطَ فيها وفُصِل بها بين " إلاَّ " والفعلِ الذي هو " أَلْقى " ، وهو فصلٌ جائز ، فتكونُ " إلاَّ " قد وَلِيها ماضٍ في التقديرِ ووُجِد شرطُه : وهو تقدُّم فعلٍ قبل " إلاَّ " وهو " وما أَرْسَلْنا " .

قلت : ولا حاجةَ إلى هذا التكليفِ المُخْرِجِ للآيةِ عن معناها . بل هو جملةٌ شرطيةٌ : إمَّا حالٌ ، أو صفةٌ ، أو استثناء ، كقوله : { إِلاَّ مَن تَوَلَّى وَكَفَرَ فَيُعَذِّبُهُ } [ الغاشية : 23 ] وكيف يُدَّعى الفصلُ بها وبالفعلِ بعدَها بين " إلاَّ " وبين " ألقى " مِنْ غير ضرورةٍ تدعو إليه ومع عدم صحةِ المعنى ؟

وقوله تعالى : { إِذَا تَمَنَّى } : إنما أُفْرِد الضميرُ ، وإن تقدَّمه شيئان معطوفٌ أحدُهما على الآخر بالواو ؛ لأنَّ في الكلام حذفاً تقديرُه : وما أَرْسَلْنا مِنْ قبلِك مِنْ رسولٍ إلاَّ إذا تمنَّى ولا نبيٍّ إلاَّ إذا تمنَّى كقولِه : { وَاللَّهُ وَرَسُولُهُ أَحَقُّ أَن يُرْضُوهُ } [ التوبة : 62 ] . والحذفُ : إمَّا من الأول أو من الثاني .

والضميرُ في " أُمْنِيَّتِه " فيه قولان ، أحدُهما : وهو الذين ينبغي أن يكونَ أنه ضميرُ الشيطان . والثاني : أنه ضميرُ الرسولِ ، ورَوَوْا في ذلك تفاسيرَ اللهُ أعلم بصحتها .