التسهيل لعلوم التنزيل، لابن جزي - ابن جزي  
{وَمَآ أَرۡسَلۡنَا مِن قَبۡلِكَ مِن رَّسُولٖ وَلَا نَبِيٍّ إِلَّآ إِذَا تَمَنَّىٰٓ أَلۡقَى ٱلشَّيۡطَٰنُ فِيٓ أُمۡنِيَّتِهِۦ فَيَنسَخُ ٱللَّهُ مَا يُلۡقِي ٱلشَّيۡطَٰنُ ثُمَّ يُحۡكِمُ ٱللَّهُ ءَايَٰتِهِۦۗ وَٱللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٞ} (52)

{ من رسول ولا نبي } النبي أعم من الرسول فكل رسول نبي وليس كل نبي رسولا ، فقدم الرسول لمناسبته لقوله : { أرسلنا } وأخر النبي لتحصيل العموم ، لأنه لو اقتصر على رسول الله لم يدخل في ذلك من كان نبيا غير رسول .

{ إذا تمنى ألقى الشيطان في أمنيته } سبب هذه الآية أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قرأ سورة والنجم بالمسجد الحرام بمحضر المشركين والمسلمين فلما بلغ إلى قوله : { أفرأيتم اللات والعزى ومناة الثالثة الأخرى } [ النجم :19 ، 20 ] ألقى الشيطان : " تلك الغرانيق العلى منها الشفاعة ترتجى " فسمع ذلك المشركون ففرحوا به وقالوا : هذا محمد يذكر آلهتنا بما نريد .

واختلف في كيفية إلقاء الشيطان ، فقيل : إن الشيطان هو الذي تكلم بذلك ، وظن الناس أن النبي صلى الله عليه وسلم هو المتكلم به لأنه قرب صوته من صوت النبي صلى الله عليه وسلم حتى التبس الأمر على المشركين وقيل : إن النبي صلى الله عليه وسلم هو الذي تكلم بذلك على وجه الخطأ والسهو ؛ لأن الشيطان ألقاه ووسوس في قلبه حتى خرجت تلك الكلمة على لسانه من غير قصد .

والقول الثاني أشهر عند المفسرين والناقلين لهذه القصة ، والقول الأول أرجح ، لأن النبي صلى الله عليه وسلم معصوم في التبليغ ، فمعنى الآية أن كل نبي وكل رسول قد جرى له مثل ذلك من إلقاء الشيطان .

واختلف في معنى { تمنى } و{ أمنيته } في هذه الآية فقيل : { تمنى } بمعنى تلا ، و{ الأمنية } : التلاوة أي : إذا قرأ الكتاب ألقى الشيطان من عنده في تلاوته ، وقيل : هو من التمني بمعنى حب الشيء .

وهذا المعنى أشهر في اللفظ أي : تمنى النبي صلى الله عليه وسلم مقاربة قومه واستئلافهم ، وألقى الشيطان ذلك في هذه الأمنية ليعجبهم ذلك .

{ فينسخ الله ما يلقي الشيطان } أي : يبطله كقولك : نسخت الشمس الظل