قوله عز وجل : { وَمَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ مِن رَّسُولٍ وَلاَ نَبِىّ إِلاَّ إِذَا تمنى } ، يعني : حدث نفسه ، { أَلْقَى الشيطان فِى أُمْنِيَّتِهِ } ؛ أي في حديثه ؛ ويقال : تمنى أي قرأ ، كما قال القائل :
تَمَنَّى كِتَابَ الله أوَّلَ لَيْلِه . . . وَآخِرَهُ لاَقَى حِمَامَ المَقَادِرِ
تَمَنَّى دَاوُدُ الزَّبُورَ عَلَى الرِّسْلِp> > أَلْقَى الشيطان فِى أُمْنِيَّتِهِ p> > . . . أي في تلاوته : { فَيَنسَخُ الله مَا يُلْقِى الشيطان } ، يعني : يذهب الله به ويبطله . { ثُمَّ يُحْكِمُ الله ءاياته } ، يعني : بيَّن الله عز وجل الناسخ من المنسوخ . قال ابن عباس في رواية أبي صالح : أتاه الشيطان في صورة جبريل ، وهو يقرأ سورة { والنجم إِذَا هوى } ( النجم 1 ) عند الكعبة ، حتى انتهى إلى قوله : { أَفَرَءَيْتُمُ اللات والعزى * ومناة الثالثة الأخرى } [ النجم : 19 ، 20 ] ، ألقى الشيطان على لسانه تلك الغرانيق العلى منها الشفاعة ترتجى ، فلما سمعه المشركون يقرأ ذلك ، أعجبهم : فلما انتهى إلى آخرها ، سجد وسجد المشركون معه والمسلمون . فأتاه جبريل عليه السلام فقال : ما جئتك بهذا . فنزل : { وَمَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ مِن رَّسُولٍ وَلاَ نَبِىّ } الآية .
وروى سعيد بن جبير ، عن ابن عباس نحو هذا قال : حدّثنا الخليل بن أحمد قال : حدّثنا إبراهيم بن محمد قال : حدّثنا جعفر بن زيد الطيالسي قال : حدّثنا إبراهيم بن محمد قال : حدّثنا أبو عاصم ، عن عمار بن الأسود ، عن سعيد بن جبير ، وعن ابن عباس قال : قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم { ومناة الثالثة الأخرى } ثم قال : تلك الغرانيق العلى وإن الشفاعة منها ترتجى ، فقال المشركون : قد ذكر آلهتنا . فنزلت الآية .
وقال مقاتل : قرأ النبي صلى الله عليه وسلم والنجم بمكة عند مقام إبراهيم ، فنعس ، فقرأ تلك الغرانيق العلى . فلما فرغ من السورة ، سجد وسجد من خلفه فنزل { وَمَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ مِن رَّسُولٍ وَلاَ نَبِىّ } ؛ وقال قتادة : لما ألقى الشيطان ، ما ألقى ، قال المشركون : قد ذكر الله آلهتنا بخير ففرحوا بذلك ؛ فذلك قوله : { وَمَآ أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ مِن رَّسُولٍ وَلاَ نَبِىٍّ إِلاَّ إِذَا تمنى أَلْقَى الشيطان فى أُمْنِيَّتِهِ فَيَنسَخُ الله مَا يُلْقِى الشيطان ثُمَّ يُحْكِمُ الله ءاياته والله عَلِيمٌ حَكِيمٌ * لِّيَجْعَلَ مَا يُلْقِى الشيطان فِتْنَةً لِّلَّذِينَ فِى قُلُوبِهِم مَّرَضٌ والقاسية قُلُوبُهُمْ وَإِنَّ الظالمين لَفِى شِقَاقٍ بَعِيدٍ } [ الحج : 52/53 ] .
روى أسباط ، عن السدي ، قال : خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المسجد فقرأ سورة النجم ، فلما انتهى إلى قوله : { ومناة الثالثة الأخرى } [ النجم : 20 ] فألقى الشيطان على لسانه تلك الغرانيق العلى ، وإن شفاعتهن لترتجى ، حتى بلغ إلى آخر السورة ، سجد وسجد أصحابه وسجد المشركون لذكره آلهتهم . فلما رفع رأسه ، حملوه وأسندوا به بين قطري مكة ؛ حتى إذا جاءه جبريل عليه السلام عرض عليه ، فقرأ عليه الحرفين ، فقال جبريل عليه السلام معاذ الله أن أكون أقرأتك هذا واشتد عليه ، فأنزل الله تعالى لتطييب نفس رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وأخبره أن الأنبياء عليهم السلام قبله قد كانوا مثله .
ويقال : إن النبي صلى الله عليه وسلم دخل المسجد وجلس عنده جماعة من المشركين ، فتمنى في نفسه أن لا يأتيه من الله شيء ينفرون منه ، فابتلاه الله تعالى بما ألقى الشيطان في أمنيته ؛ وقال بعضهم : تمنى : أي تفكر وحدث تلك الغرانيق العلى ، ولم يتكلم به ، لأن قول النبي صلى الله عليه وسلم كان حجة ، فلا يجوز أن يكون يجري على لسانه كلمة الكفر . وقال بعضهم : لما رآه الشيطان يقرأ ، خلط صوته بصوت النبي صلى الله عليه وسلم : فقرأ الشيطان : تلك الغرانيق ، فظن الناس أنه قرأها رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يكن قرأها ؛ وقال بعضهم : قال ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم على وجه التعيير والزجر ، يعني : أنكم تعبدونها كأنهن الغرانيق العلى ، كما قال إبراهيم عليه السلام { قَالَ بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هذا فَاسْألُوهُمْ إِن كَانُواْ يِنْطِقُونَ } [ الأنبياء : 63 ] وقال الزجاج : ألقى الشيطان في تلاوة ؛ فذلك محنة يمتحن الله تعالى بها من يشاء ؛ فجرى على لسان النبي صلى الله عليه وسلم شيء من صفة الأصنام ، فافتتن بذلك أهل الشقاوة والنفاق . وروي عن سفيان بن عيينة ، عن عمرو بن دينار : أن ابن عباس كان يقرأ ( وما أرسلنا من قبلك من رسول ولا نبي ولا محدث ) والمحدث الذي يرى أمره في منامه من غير أن يأتيه الوحي .
ثم قال : { والله عَلِيمٌ حَكِيمٌ } ، أي عليم بمَا ألقى الشيطان { حَكِيمٌ } حكم بالناسخ .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.