الكشف والبيان في تفسير القرآن للثعلبي - الثعلبي  
{وَمَآ أَرۡسَلۡنَا مِن قَبۡلِكَ مِن رَّسُولٖ وَلَا نَبِيٍّ إِلَّآ إِذَا تَمَنَّىٰٓ أَلۡقَى ٱلشَّيۡطَٰنُ فِيٓ أُمۡنِيَّتِهِۦ فَيَنسَخُ ٱللَّهُ مَا يُلۡقِي ٱلشَّيۡطَٰنُ ثُمَّ يُحۡكِمُ ٱللَّهُ ءَايَٰتِهِۦۗ وَٱللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٞ} (52)

{ وَمَآ أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ مِن رَّسُولٍ } وهو الذي يأتيه جبرئيل بالوحي عياناً وشفاهاً { وَلاَ نَبِيٍّ } وهو الذي تكون نبوّته إلهاماً أو مناماً { إِلاَّ إِذَا تَمَنَّى } أي أحبَّ شيئاً واشتهاه وحدّث به نفسه ما لم يؤمر به .

{ أَلْقَى الشَّيْطَانُ فِي أُمْنِيَّتِهِ } أي مراده ووجد إليه سبيلاً ، وقال أكثر المفسرين : يعني بقوله : تمنى أي تلا وقرأ كتاب الله سبحانه { القي الشيطان في أُمنيّته } أي قراءته ، وتلاوته ، نظيره قوله سبحانه

{ لاَ يَعْلَمُونَ الْكِتَابَ إِلاَّ أَمَانِيَّ } [ البقرة : 78 ] يعني قراءة يقرأ عليهم .

وقال الشاعر في عثمان رضي الله عنه حين قتل :

تمنّى كتاب الله أوّل ليلة *** وآخره لاقى حمام المقادر

وسمعت أبا القاسم الحبيب يقول : سمعت أبا الحسن علي بن مهدي الطبري يقول : ليس هذا التمنّي من القرآن والوحي في شيء وإنّما هو أنّ النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا صفرت يده من المال ورأى ما بأصحابه من سوء الحال تمنّى الدنيا بقلبه وسوسة من الشيطان .

وقال الحسن : أراد بالغرانيق العلى الملائكة يعني أنَّ الشفاعة ترتجى منهم لا من الأصنام ، وهذا قول ليس بالقوي ولا بالمرضىّ لقوله { فَيَنسَخُ اللَّهُ مَا يُلْقِي الشَّيْطَانُ } أي يبطله ويذهبه { ثُمَّ يُحْكِمُ اللَّهُ آيَاتِهِ } فيثبتها { وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ } .

فإن قيل : فما وجه جواز الغلط في التلاوة على النبي صلى الله عليه وسلم فعنه جوابان : أحدهما : أنّه على سبيل السهو والنسيان وسبق اللسان فلا يلبث أن ينبّهه الله سبحانه ويعصمه .

والثاني : أنَّ ذلك إنّما قاله الشيطان على لسان رسول الله صلى الله عليه وسلم في أثناء قراءته وأوهم أنّه من القرآن وأنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم هو الذي يتلوه ،