النكت و العيون للماوردي - الماوردي  
{وَمَآ أَرۡسَلۡنَا مِن قَبۡلِكَ مِن رَّسُولٖ وَلَا نَبِيٍّ إِلَّآ إِذَا تَمَنَّىٰٓ أَلۡقَى ٱلشَّيۡطَٰنُ فِيٓ أُمۡنِيَّتِهِۦ فَيَنسَخُ ٱللَّهُ مَا يُلۡقِي ٱلشَّيۡطَٰنُ ثُمَّ يُحۡكِمُ ٱللَّهُ ءَايَٰتِهِۦۗ وَٱللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٞ} (52)

قوله تعالى : { وَمَآ أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ مِن رَّسُولٍ وَلاَ نَبِيٍّ إِلاّ إِذَا تَمَنَّى أَلْقَى الشَّيْطَانُ فِي أُمْنِيَّتِه } فيه تأويلان :

أحدهما : يعني أنه إذا حدّث نفسه ألقى الشيطان في نفسه ، قاله الكلبي .

الثاني : إذا قرأ ألقى الشيطان في قراءته ، قاله قتادة ومجاهد . قال الشاعر{[2031]} :

تمنّى كتاب الله أول ليله *** وآخره لاقى حمام المقادِرِ

{ مِن رَّسُولٍ وَلاَ نَبِيٍّ . . . } فيه قولان :

أحدهما : أن الرسول والنبي واحد ، ولا فرق بين الرسول والنبي ، وإنما جمع بينهما لأن الأنبياء تخص البشر ، والرسل تعم الملائكة والبشر .

والقول الثاني : أنهما مختلفان ، وأن الرسول أعلى منزلة من النبي .

واختلف قائل هذا في الفرق بين الرسول والنبي على ثلاثة أقاويل :

أحدها : أن الرسول هو الذي تتنزل عليه الملائكة بالوحي ، والنبي يوحى إليه في نومه .

والثاني : أن الرسول هو المبعوث إلى أُمَّةٍ ، والنبي هو المحدّث الذي لا يبعث إلى أمة ، قاله قطرب .

والثالث : أن الرسول هو المبتدئ بوضع الشرائع والأحكام ، والنبي هو الذي يحفظ شريعة الله ، قاله الجاحظ .

قوله تعالى { . . فَيَنسَخُ اللَّهُ مَا يُلْقِي الشَّيْطَانُ } أي يرفعه .

{ ثُمَّ يُحْكِمُ اللَّهُ آيَاتِهِ } أي يثبتها . واختلف أهل التأويل فيما قرأه النبي صلى الله عليه وسلم من ذلك على أربعة أقاويل :

أحدها : أنه ألقاه الشيطان على لسانه فقرأه ساهياً .

الثاني : أنه كان ناعساً فألقاه الشيطان على لسانه فقرأه في نعاسه ، قاله قتادة .

الثالث : أن بعض المنافقين تلاه عن إغواء الشيطان فخيل للناس أنه من تلاوة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، حكاه ابن عيسى .

الرابع : إنما قال : هي كالغرانيق العلا - يعني الملائكة - وأن شفاعتهم لترتجى ، أي في قولكم ، قاله الحسن .

سبب نزول هذه الآية ما روي أن النبي صلى الله عليه وسلم لما نزلت عليه سورة النجم قرأها في المسجد الحرام حتى بلغ

{ أَفَرَأَيْتُمْ اللاَّتَ وَالْعُزَّى ، وَمَنَاةَ الثَّالِثَةَ الأُخْرَى }

[ النجم : 19-20 ] ألقى الشيطان على لسانه " أولئك الغرانيق العلا . وأن شفاعتهن لترتجى " ثم ختم السورة وسجد . وسجد معه المسلمون والمشركون ورفع الوليد بن المغيرة تراباً إلى جبهته فسجد عليه ، وكان شيخاً كبيراً لا يقدر على السجود ، ورضي بذلك كفار قريش ، وسمع بذلك من هاجر لأرض الحبشة . فأنكر جبريل على النبي صلى الله عليه وسلم ما قرأه ، وشق ذلك عليه فأنزل الله تعالى :

{ وَمَا أرْسَلْنَا مِن رَّسُولٍ وَلاَ نَبِيٍّ إِلاَّ إِذَا تَمَنَّى أَلْقَى الشَّيْطَانُ فِي أُمْنِيَّتِه{[2032]} } .


[2031]:هو كعب بن مالك.
[2032]:ضعف المحققون من أهل الحديث هذه الروايات. ينظر كتاب "نصب المجانيق" للألباني.