الآية 52 : و قوله تعالى : وما أرسلنا من قبلك من رسول ولا نبي إلا إذا تمنى } أي تلا { ألقى الشيطان في أمنيته } قيل : في تلاوته وقراءته الآية .
قال عامة أهل التأويل : إن رسول الله صلى الله عليه وسلم{ إذا تمنى }أي تلا في صلاته ، أو حدث نفسه ، ألقى الشيطان على لسانه عند تلاوته : { والنجم إذا هوى } ( النجم : 1 ) حتى إذا انتهى إلى قوله : { أفرأيتم اللات والعزى }{ ومناة الثالثة الأخرى }( النجم 19 و 20 : ) . ( قال : ){[13164]} تلك الغرانيق العلا ، شفاعتهن ترجى . وذكروا{[13165]} أنه أتاه على صورة جبريل عليه السلام فألقى عليه ما ذكروا .
ثم أتاه جبريل عليه السلام فأخبره النبي صلى الله عليه وسلم بذلك ، قال له : إنه لم ينزل عليه قط شيئا مثله . وأمثال هذا قالوا . لكنه لو كان ما ذكر هؤلاء كيف عرفه في المرة الثانية أنه جبريل ؟ وأنه ليس بشيطان ؟ ولا يؤمن أن يلبس عليه في وقت آخر في أمثاله .
وقال قتادة : إنه صلى الله عليه وسلم كان يتمنى أن يذكر الله ألهتهم بغيب فلما قرأ تلك الأيتين{[13166]} : { أفرأيتم اللات والعزى } { ومناة الثالثة الأخرى } ( النجم 19 و 20 ) قال : إنهن الغرانيق العلا ، وإن شفاعتهن ترجى عندهم . يعني به عند أولئك الكفرة ، وهم على ذلك كانوا يعبدونها .
وقال الحسن : إنه أراد بقوله : تلك الغرانيق العلا ، وشفاعتهن ترتجى ، الملائكة لأنهم كانوا يعبدون الملائكة رجاء أن يشفعوا /350-ب/ لهم يوم القيامة ، فأخبر أن الشفاعة الملائكة ترجى . وهذان التأويلان أشبه من الأول .
والأشبه عندنا أن يكون على غير هذا الذي قالوا ، وهو أن قوله{ وما أرسلنا من قبلك من رسول ولا نبي إلا إذا تمنى ألقى الشيطان في أمنيته }أي عند تلاوته القرآن في قلوب الكفرة ما يجادلون به رسول الله ، ويحاجونه ، فيشبهون بذلك على الأتباع ليتبعوهم . وهو نحو قولهم : إنه يحرم ما ذبحه الله : ويحل ما ذبح هو بنفسه ، ونحو قولهم عند نزول قوله : { إنكم وما تعبدون من دون الله حصب جهنم أنتم لها واردون }( الأنبياء : 98 ) إن{[13167]} عيسى وعزيرا والملائكة عبدوا دون الملائكة ، فهم حصب جهنم إذن ، ونحو صرفهم قوله : { آلم }{ ذلك الكتاب لا يرب فيه }( البقرة : 1و 2 ) إلى حساب الجُمَّلِ ، وأمثال هذا مما حاجوا رسول الله ، وجادلوه به ، فأخبر أنه ينسخ مجادلتهم ومحاجتهم رسوله ، وأنه يحكم آياته : حين{[13168]} قال عند قولهم : إنه يحل ذبيح نفسه ، ويحرم ذبيح الله . فبين أنه بم حرم هذا ؟ وبم أحل الآخر ؟ وهو قوله : { ولا تأكلوا مما لم يذكر اسم الله عليه وإنه لفسق }( الأنعام : 121 ) ولكن كلوا مما ذكر اسم الله عليه . فبين أنه إنما أحل هذا بذكر اسم الله عليه ، وحرم الآخر بترك ذكر اسم الله عليه .
وبين ما{[13169]} في قلوبهم أن عيسى عبد دون الله ، والملائكة عبدوا دونه فهم ليسوا بحصب جهنم حين{[13170]} استثنى أولئك فقال : { إن الذين سبقت لهم منا الحسنى }الآية ( الأنبياء : 101 ) فأبطل مجادلتهم ومحاجتهم وصرفهم الآية إلى حساب الجمل بقوله : { هو الذي أنزل عليك الكتاب منه آيات محكمات }الآية ( آل عمران : 7 ) .
فهذا تأويل قوله : { فينسخ الله ما يلقي الشيطان ثم يحكم الله آياته } نسخ ما ألقى الشيطان في قلوب أولئك الكفرة ما به جادلوه ، وأحكم آياته بما ذكرنا .
ثم وإن ثبت ما ذكر ابن عباس وعامة من ذكرنا حين {[13171]} قالوا : جرى على لسانه ذلك ، فجائز عندما جرى الخطأ على لسان من عصم ، إذا عرف السامع منه مذهبه ودينه الذي يدين به ، عرف أن ما جرى غلط{[13172]} وخطأ نحو من يعتمد مذهبا ، وينتحل نحلة ، فجرى على لسانه خلاف ما يعرف منه الاعتقاد ، يعرف أنه جرى على لسانه غلطا .
فعلى ذلك الذي ذكرنا أهل التأويل إن ثبت ما ذكروا عنه أنه قال ذلك .
والأشبه فيه ما ذكرنا من إلقاء الشيطان في قلوب الكفرة ما يجادلون به رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ويحاجونه {[13173]} كقوله : { وإن الشياطين ليوحون إلى أوليائهم ليجادلوكم }الآية ( الأنعام : 121 ) .
وقال القتبي : { إلا إذا تمنى }أي تلا القرآن { ألقى الشيطان في أمنيته }أي{[13174]} في تلاوته . وكذلك قال أبو عوسجة ، وقال : أماني مشددة جميع .
وقال غيرهم : { إذا تمنى } إذا حدث ، و{ في أمنيته } ( في حديثه . وقال بعضهم : تمنى في أمنيته ){[13175]} هو من تمني النفس كقوله : { ولا تتمنوا }الآية ( النساء : 32 ) ونحوه ، وهو قول الحسن : تمنى كبعض ما تمنى الناس من الدنيا . وقال قتادة : و{ إذا تمنى } ما ذكرنا من التمني النفس أن يذكر آلهتهم التي كانت تدعى ، وترجى شفاعتهن على ما ذكرنا ، والله أعلم .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.