الدر المنثور في التفسير بالمأثور للسيوطي - السيوطي  
{ثُمَّ خَلَقۡنَا ٱلنُّطۡفَةَ عَلَقَةٗ فَخَلَقۡنَا ٱلۡعَلَقَةَ مُضۡغَةٗ فَخَلَقۡنَا ٱلۡمُضۡغَةَ عِظَٰمٗا فَكَسَوۡنَا ٱلۡعِظَٰمَ لَحۡمٗا ثُمَّ أَنشَأۡنَٰهُ خَلۡقًا ءَاخَرَۚ فَتَبَارَكَ ٱللَّهُ أَحۡسَنُ ٱلۡخَٰلِقِينَ} (14)

وأخرج ابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن المنذر عن ابن عباس أنه كان يقرأ { فخلقنا المضغة عظاماً } .

وأخرج ابن أبي شيبة وابن المنذر عن قتادة أنه كان يقرأ « فخلقنا المضغة عظماً فكسونا العظام لحماً » .

وأخرج عبد بن حميد عن عاصم أنه قرأ « فخلقنا المضغة عظما » بغير ألف « فكسونا العظم » على واحده .

وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس { ثم أنشأناه خلقاً آخر } قال : نفخ فيه الروح .

وأخرج عبد بن حميد وابن جرير عن أبي العالية { ثم أنشأناه خلقاً آخر } قال : جعل فيه الروح .

وأخرج عبد بن حميد وابن جرير عن مجاهد وعكرمة مثله .

وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم عن مجاهد { ثم أنشأناه خلقاً آخر } قال : حين استوى به الشباب .

وأخرج عبد بن حميد عن الضحاك { ثم أنشأناه خلقاً آخر } قال : الأسنان ، والشعر ، قيل أليس قد يولد وعلى رأسه الشعر ؟ قال : فأين العانة والإِبط ؟ .

وأخرج ابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن المنذر عن صالح أبي الخليل قال : نزلت هذه الآية على النبي صلى الله عليه وسلم { ولقد خلقنا الإنسان من سلالة من طين } إلى قوله { ثم أنشأناه خلقاً آخر } قال عمر { فتبارك الله أحسن الخالقين } فقال « والذي نفسي بيده إنها ختمت بالذي تكلمت يا عمر » .

وأخرج ابن أبي حاتم عن وهب بن منبه قال : قال عزير : يا رب أمرت الماء فجمد في وسط الهواء فجعلت منه سبعاً وسميتها السموات ، ثم أمرت الماء ينفتق على التراب ، وأمرت التراب أن يتميز من الماء فكان كذلك ، فسميت ذلك جميع الأرضين وجميع الماء البحار ، ثم خلقت من الماء أعمى عين بصرته ، ومنها أصم آذان أسمعته ، ومنها ميت أنفس أحييته ، خلقت ذلك بكلمة واحدة ، منها ما عيشه الماء ومنها ما لا صبر له على الماء خلقاً مختلفاً في الأجسام والألوان ، جنسته أجناساً ، وزوجته أزواجاً ، وخلقت أصنافاً ، وألهمته الذي خلقته ، ثم خلقت من التراب والماء دواب الأرض وماشيتها وسباعها { فمنهم من يمشي على بطنه ومنهم من يمشي على رجلين ومنهم من يمشي على أربع } [ النور : 45 ] ومنهم العظم الصغير ثم وعظته بكتابك وحكمتك ، ثم قضيت عليه الموت لا محالة . ثم أنت تعيده كما بدأته وقال عزير : اللهم بكلمتك خلقت جميع خلقك فأتى على مشيئتك ، ثم زرعت في أرضك كل نبات فيها بكلمة واحدة وتراب واحد تسقى بماء واحد ، فجاء على مشيئتك مختلفاً أكله ولونه وريحه وطعمه ، منه الحلو ، ومنه الحامض ، والمر ، والطيب ريحه ، والمنتن ، والقبيح ، والحسن ، وقال عزير : يا رب إنما نحن خلقك وعمل يديك ، خلقت أجسادنا في أرحام أمهاتنا ، وصورتنا كيف تشاء بقدرتك . جعلت لنا أركاناً ، وجعلت فيها عظاماً ، وفتقت لنا أسماعاً وأبصاراً ، ثم جعلت لنا في تلك الظلمة نوراً ، وفي ذلك الضيق سعة ، وفي ذلك الفم روحاً ، ثم هيأت لنا من فضلك رزقاً متفاوتاً على مشيئتك ، لم تأن في ذلك مؤنة ولم تعي منه نصباً ، كان عرشك على الماء ، والظلمة على الهواء ، والملائكة يحملون عرشك ويسبحون بحمدك ، والخلق مطيع لك خاشع من خوفك لا يرى فيه نور إلا نورك ، ولا يسمع فيه صوت إلا سمعك ، ثم فتحت خزانة النور وطريق الظلمة فكانا ليلاً ونهاراً يختلفان بأمرك .

وأخرج بن أبي حاتم وأبو الشيخ في العظمة عن وهب بن منبه قال : خلق الله آدم كما شاء ومما شاء ، فكان كذلك { فتبارك الله أحسن الخالقين } خلق من التراب والماء ، فمنه شعره ولحمه ودمه وعظامه وجسده ، فذلك بدء الخلق الذي خلق الله منه ابن آدم ، ثم جعلت فيه النفس فيها يقوم ويقعد ويسمع ويبصر ويعلم ما تعلم الدواب ، ويتقي ما تتقي ثم جعلت فيه الروح ، فيه عرف الحق من الباطل ، والرشد من الغي ، وبه حذر وتقدم واستتر وتعلم ودبر الأمور كلها فمن التراب يبوسته ، ومن الماء رطوبته ، فهذا بدء الخلق الذي خلق الله منه ابن آدم كما أحب أن يكون ، ثم جعلت فيه من هذه الفطر الأربع أنواعاً من الخلق أربعة في جسد ابن آدم ، فهي قوام جسده وملاكه بإذن الله وهي : الْمِرَّةُ السوداء ، والْمِرَّةُ الصفراء ، والدم ، والبلغم ، فيبوسته وحرارته من النفس ومسكنها في الدم ، وبرودته من قبل الروح ومسكنه في البلغم ، فإذا اعتدلت هذه الفطر في الجسد فكان من كل واحد ربع كان جسداً كاملاً ، وجسماً صحيحاً ، أو إن كثر واحد منها على صاحبه قهرها وعلاها وأدخل عليها السقم من ناحيته ، وإن قل عنها وأخذ عنها غلبت عليه وقهرته ومالت به وضعفت عن قوتها وعجزت عن طاقتها وأدخل عليها السقم من ناحيته ، فالطبيب العالم بالداء يعلم من الجسد حيث أتي سقمه ، أمن نقصان أم من زيادة .

وأخرج ابن أبي حاتم عن علي قال : إذا نمت النطفة أربعة أشهر بعث إليها ملك فنفح فيها الروح في الظلمات الثلاث ، فذلك قوله { ثم أنشأناه خلقاً آخر } يعني نفخ الروح فيه .

وأخرج ابن جرير عن ابن عباس في قوله { ثم أنشأناه خلقاً آخر } يقول : خرج من بطن أمه بعد ما خلق فكان من بدء خلقه الآخر أن استهل ، ثم كان من خلقه أن دله على ثدي أمه ، ثم كان من خلقه أن علم كيف يبسط رجليه إلى أن قعد ، إلى أن حبا ، إلى أن قام على رجليه ، إلى أن مشى ، إلى أن فطم ، تعلم كيف يشرب ويأكل من الطعام ، إلى أن بلغ الحلم ، إلى أن بلغ أن يتقلب في البلاد .

وأخرج عبد الرزاق وابن جرير عن قتادة { ثم أنشأناه خلقاً آخر } قال : يقول بعضهم هو نبات الشعر ، وبعضهم يقول : هو نفخ الروح .

وأخرج ابن جرير عن مجاهد { فتبارك الله أحسن الخالقين } قال : يصنعون ، ويصنع الله والله خير الصانعين .

وأخرج ابن جرير عن ابن جريج { فتبارك الله أحسن الخالقين } قال : عيسى ابن مريم يخلق .

وأخرج الطيالسي وابن أبي حاتم وابن مردويه وابن عساكر عن أنس قال : قال عمر : وافقت ربي في أربع . قلت : يا رسول الله لو صليت خلف المقام . فأنزل الله { واتخذوا من مقام إبراهيم مُصَلَّى }[ البقرة : 125 ] وقلت : يا رسول الله لو اتخذت على نسائك حجاباً فإنه يدخل عليك البر والفاجر . فأنزل الله { وإذا سألتموهن متاعاً فاسألوهن من وراء حجاب } [ الأحزاب : 53 ] وقلت لأزواج النبي صلى الله عليه وسلم : لتنتهن أو ليبدلنه الله أزواجاً خيراً منكن . فأنزلت { عسى ربه إن طلقكن } [ التحريم : 5 ] . ونزلت { ولقد خلقنا الإنسان من سلالة من طين } . إلى قوله { ثم أنشأناه خلقاً آخر } فقلت أنا : فتبارك الله أحسن الخالقين فنزلت { فتبارك الله أحسن الخالقين } .

وأخرج ابن راهويه وابن المنذر وابن أبي حاتم والطبراني في الأوسط وابن مردويه عن زيد بن ثابت قال : أملى عليّ رسول الله صلى الله عليه وسلم هذه الآية { ولقد خلقنا الإنسان من سلالة من طين } إلى قوله { خلقاً آخر } فقال معاذ بن جبل فتبارك الله أحسن الخالقين ، فضحك رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال له معاذ : ما أضحكك يا رسول الله ؟ قال : إنها ختمت { فتبارك الله أحسن الخالقين } .

وأخرج الطبراني وابن مردويه عن ابن عباس قال : لما نزلت{ ولقد خلقنا الإنسان من سلالة من طين } قال عمر : فتبارك الله أحسن الخالقين ، فنزلت{ فتبارك الله أحسن الخالقين } .