الكشاف عن حقائق التنزيل للزمخشري - الزمخشري  
{ثُمَّ خَلَقۡنَا ٱلنُّطۡفَةَ عَلَقَةٗ فَخَلَقۡنَا ٱلۡعَلَقَةَ مُضۡغَةٗ فَخَلَقۡنَا ٱلۡمُضۡغَةَ عِظَٰمٗا فَكَسَوۡنَا ٱلۡعِظَٰمَ لَحۡمٗا ثُمَّ أَنشَأۡنَٰهُ خَلۡقًا ءَاخَرَۚ فَتَبَارَكَ ٱللَّهُ أَحۡسَنُ ٱلۡخَٰلِقِينَ} (14)

قرىء : «عظماً فكسونا العظم » و «عظاماً فكسونا العظام » و «عظماً فكسونا العظم » وضع الواحد مكان الجمع لزوال اللبس ؛ لأنّ الإنسان ذو عظام كثيرة { خَلْقاً ءاخَرَ } أي خلقاً مبايناً للخلق الأوّل مباينة ما أبعدها ، حيث جعله حيواناً وكان جماداً ، وناطقاً وكان أبكم ، وسميعاً وكان أصمّ ، وبصيراً وكان أكمه ، وأودع باطنه وظاهره بل كل عضو من أعضائه وكل جزء من أجزائه عجائب فطرة وغرائب حكمة لا تدرك بوصف الواصف ولا تبلغ بشرح الشارح : وقد احتجّ به أبو حنيفة فيمن غصب بيضة فأفرخت عنده قال : يضمن البيضة ولا يرد الفرخ : لأنه خلق أخر سوى البيضة { فَتَبَارَكَ الله } فتعالى أمره في قدرته وعلمه { أَحْسَنُ الخالقين } أي : أحسن المقدّرين تقديراً ، فترك ذكر المميز لدلالة الخالقين عليه . ونحوه : طرح المأذون فيه في قوله : { أُذِنَ لِلَّذِينَ يقاتلون } [ الحج : 39 ] لدلالة الصلة . وروي عن عمر رضي الله عنه : أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم لما بلغ قوله خلقاً آخر ، قال : " فتبارك الله أحسن الخالقين " وروي : أنّ عبد الله بن سعد بن أبي سرح كان يكتب للنبي صلى الله عليه وسلم ، فنطق بذلك قبل إملائه ، فقال : له النبي صلى الله عليه وسلم : «اكتب ، هكذا نزلت » فقال : عبد الله : إن كان محمد نبياً يوحى إليه فأنا نبيّ يوحى إليّ ، فلحق بمكة كافراً ، ثم أسلم يوم الفتح .