بحر العلوم لعلي بن يحيى السمرقندي - السمرقندي  
{ثُمَّ خَلَقۡنَا ٱلنُّطۡفَةَ عَلَقَةٗ فَخَلَقۡنَا ٱلۡعَلَقَةَ مُضۡغَةٗ فَخَلَقۡنَا ٱلۡمُضۡغَةَ عِظَٰمٗا فَكَسَوۡنَا ٱلۡعِظَٰمَ لَحۡمٗا ثُمَّ أَنشَأۡنَٰهُ خَلۡقًا ءَاخَرَۚ فَتَبَارَكَ ٱللَّهُ أَحۡسَنُ ٱلۡخَٰلِقِينَ} (14)

{ ثُمَّ خَلَقْنَا النطفة عَلَقَةً } ، أي حولنا الماء دماً ، { فَخَلَقْنَا العلقة مُضْغَةً } ، أي حولنا الدم مضغة ، { فَخَلَقْنَا المضغة عظاما } ؛ أي خلقنا في المضغة عظاماً ؛ { فَكَسَوْنَا العظام لَحْماً ثُمَّ أنشأناه خَلْقاً ءاخَرَ } . قال عكرمة وأبو العالية والشعبي : معناه نفخ فيه الروح .

وروى الأخفش ، عن زيد بن وهب ، عن عبد الله بن مسعود أنه قَالَ : «إِنَّ خَلْقَ أَحَدكُمْ يُجْمَعُ فِي بَطْنِ أُمِّهِ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً ، ثُمَّ يَكُونُ عَلَقَةً مِثْل ذَلِكَ ، ثُمَّ يَكُونُ مُضْغَةً مِثْلَ ذَلِكَ ، ثُمَّ يَبْعَثُ الله عز وجل مَلَكاً ، فَيُأْمَرُ بأنْ يَكْتُبَ أَجَلَهُ وَعَمَلَهُ وَرِزْقَهُ وَشَقِيٌّ أَوْ سَعِيدٌ ، فَهِيَ أَرْبَعُ كَلِمَاتٍ . ثُمَّ يُنْفَخُ فِيهِ الرُّوحُ » .

وروي ، عن عطاء ، عن ابن عباس في قوله : { ثُمَّ أنشأنا خلقا آخر } قال : نفخ فيه الروح ، وروى ابن نجيح ، عن مجاهد : { ثُمَّ أنشأنا خلقا آخر } قال : حين استوى شاباً ؛ وروى معمر ، عن قتادة : { ثُمَّ أنشأنا خلقا آخر } ، قال : هو نبات الشعر والأسنان ، وقال بعضهم : هو نفخ الروح ؛ ويقال : ذكراً أو أنثى ؛ ويقال : معناه { ثُمَّ أنشأنا خلقا آخر } ، يعني : الجلد . وروي عن عطاء ، عن ابن عباس أنه قال : ينفخ فيه الروح ، وروي عن عبد الله بن مسعود أنه كان يقرأ : «ثم أنشأته خلقاً آخر » .

{ فَتَبَارَكَ الله أَحْسَنُ الخالقين } ، يعني : أحكم المصورين ؛ وروى أبو صالح عن عبد الله بن عباس قال : كان عبد الله بن أبي سرح يكتب هذه الآيات للنبي صلى الله عليه وسلم ، فلما انتهى إلى قوله : { ثُمَّ أنشأناه خلقا آخر } ، عجب من تفضل الإنسان أي من تفضل خلق الإنسان فقال : { فَتَبَارَكَ الله أَحْسَنُ الخالقين } ؛ فقال النبي صلى الله عليه وسلم : " اكْتُبْ هاكذا أُنْزِلَتْ " فشك عند ذلك ، وقال : لئن كان محمد صادقاً فيما يقول إنه يوحى إليه ، فقد أوحي إلي كما أوحي إليه ؛ ولئن قال من ذات نفسه ، فلقد قلت مثل ما قال .

فكفر بالله تعالى .

وقال مقاتل والزجاج : كان عمر رضي الله عنه عند رسول الله صلى الله عليه وسلم إِذْ أُنْزِلَتْ عليه هذه الآية ، فقال عمر : { فَتَبَارَكَ الله أَحْسَنُ الخالقين } ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : { هاكذا أُنْزِلَتْ عَلَيَّ } فكأنه أجرى على لسانه هذه الآية قبل قراءة النبي صلى الله عليه وسلم ؛ وقد قيل إن الحكاية الأولى غير صحيحة ، لأن ارتداد عبد الله بن أبي سرح كان بالمدينة ، وهذه الآية مكية . قرأ ابن عامر وعاصم في رواية أبي بكر { فَخَلَقْنَا المضغة عظاما فَكَسَوْنَا العظام لَحْماً } ، وقرأ الباقون { عظاما } بالألف ، ومعناهما واحد ، لأن الواحد يغني عن الجنس .