أخرج البيهقي في الدلائل عن عروة قال : كان الله وعدهم على الصبر والتقوى أن يمدهم بخمسة آلاف من الملائكة مسومين وكان قد فعل ، فلما عصوا أمر الرسول وتركوا مصافهم ، وتركت الرماة عهد الرسول إليهم أن لا يبرحوا منازلهم وأرادوا الدنيا ، رفع عنهم مدد الملائكة ، وأنزل الله { ولقد صدقكم الله وعده إذ تحسونهم بإذنه } فصدق الله وعده وأراهم الفتح ، فلما عصوا أعقبهم البلاء .
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله { ولقد صدقكم الله وعده . . . } الآية . قال " إن أبا سفيان أقبل في ثلاث ليال خلون من شوال حتى نزل أحدا ، وخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم فأذن في الناس ، فاجتمعوا وأمر على الخيل الزبير بن العوام ، ومعه يومئذ المقداد بن الأسود الكندي ، وأعطى رسول الله صلى الله عليه وسلم اللواء رجلا من قريش يقال له مصعب بن عمير ، وخرج حمزة بن عبد المطلب بالجيش ، وبعث حمزة بين يديه ، وأقبل خالد بن الوليد على خيل المشركين ومعه عكرمة بن أبي جهل ، فبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم الزبير وقال : استقبل خالد بن الوليد فكن بإزائه حتى أوذنك ، وأمر بخيل أخرى فكانوا من جانب آخر فقال : لا تبرحوا حتى أوذنكم ، وأقبل أبو سفيان يحمل اللات والعزى ، فأرسل النبي صلى الله عليه وسلم إلى الزبير أن يحمل ، فحمل على خالد بن الوليد فهزمه ومن معه فقال { ولقد صدقكم الله وعده إذ تحسونهم بإذنه } .
وأن الله وعد المؤمنين أن ينصرهم وأنه معهم ، وأن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث بعضا من الناس فكانوا من ورائهم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : كونوا ههنا ، فردوا وجه من ند منا ، وكونوا حرسا لنا من قبل ظهورنا . وأن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما هزم القوم هو وأصحابه الذين كانوا ، جعلوا من ورائهم فقال بعضهم لبعض لما رأوا النساء مصعدات في الجبل ، ورأوا الغنائم : انطلقوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأدركوا الغنيمة قبل أن تستبقوا إليها وقالت طائفة أخرى : بل نطيع رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فنثبت مكاننا . فذلك قوله { منكم من يريد الدنيا } للذين أرادوا الغنيمة { ومنكم من يريد الآخرة } للذين قالوا : نطيع رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ونثبت مكاننا . فأتوا محمدا صلى الله عليه وسلم ، فكان فشلا حين تنازعوا بينهم يقول { وعصيتم من بعد ما أراكم ما تحبون } كانوا قد رأوا الفتح والغنيمة " .
وأخرج أحمد وابن المنذر وابن أبي حاتم والطبراني والحاكم وصححه والبيهقي في الدلائل عن ابن عباس أنه قال " ما نصر الله نبيه في موطن كما نصر يوم أحد فانكروا " . فقال ابن عباس : بيني وبين من أنكر ذلك كتاب الله ، إن الله يقول في يوم أحد { ولقد صدقكم الله وعده إذ تحسونهم بإذنه } يقول ابن عباس : " و الحس " : القتل .
{ حتى إذا فشلتم } إلى قوله { ولقد عفا عنكم والله ذو فضل على المؤمنين } وإنما عنى هذا الرماة ، وذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم أقامهم في موضع ثم قال : احموا ظهورنا ، فإن رأيتمونا نقتل فلا تنصرونا ، وإن رأيتمونا قد غنمنا فلا تشركونا . فلما غنم النبي صلى الله عليه وسلم ، وأباحوا عسكر المشركين انكفأت الرماة جميعا فدخلوا في العسكر ينتهبون ، والتفت صفوف المسلمين فهم هكذا - وشبك بين يديه - والتبسوا ، فلما أخل الرماة تلك الخلة التي كانوا فيها دخل الخيل من ذلك الموضع على الصحابة ، فضرب بعضهم بعضا والتبسوا ، وقتل من المسلمين ناس كثير وقد كان لرسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه أول النهار حتى قتل من أصحاب لواء المشركين سبعة أو تسعة ، وجال المسلمون جولة نحو الجبل ولم يبلغوا حيث يقول الناس : الغاب . إنما كانوا تحت المهراس ، وصاح الشيطان قتل محمد فلم يشك فيه أنه حق .
فما زلنا كذلك ما نشك أنه قتل حتى طلع بين السعدين نعرفه بتكفؤه إذا مشى ، ففرحنا حتى كأنه لم يصبنا ما أصابنا فرقي نحونا وهو يقول : اشتد غضب الله على قوم دموا وجه نبيهم ، ويقول مرة أخرى : اللهم إنه ليس لهم أن يعلونا حتى انتهى إلينا ، فمكث ساعة فإذا أبو سفيان يصيح في أسفل الجبل : أعل هبل أعل هبل . أين ابن أبي كبشة ؟ أين ابن أبي قحافة ؟ أين ابن الخطاب ؟ فقال عمر : ألا أجيبه يا رسول الله ؟ قل : بلى . فلما قال : أعل هبل . قال عمر : الله أعلى وأجل . فعاد فقال : أين ابن أبي كبشة ؟ أين ابن أبي قحافة ؟ فقال عمر : هذا رسول الله ، وهذا أبو بكر ، وها أنا عمر . فقال : يوم بيوم بدر ، الأيام دول والحرب سجال فقال عمر : لا سواء . . . قتلانا في الجنة وقتلاكم في النار قال : إنكم لتزعمون ذلك ، لقد خبنا إذن وخسرنا . ثم أدركته حمية الجاهلية فقال : أما إنه كان ذلك ولم نكرهه " .
وأخرج ابن أبي شيبة وأحمد وابن المنذر عن ابن مسعود قال " إن النساء كن يوم أحد خلف المسلمين يجهزن على جرحى المشركين ، فلو حلفت يومئذ رجوت أن أبر أنه ليس أحد منا يريد الدنيا حتى أنزل الله { منكم من يريد الدنيا ومنكم من يريد الآخرة } فلما خالف أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وعصوا ما أمروا به ، أفرد رسول الله صلى الله عليه وسلم في تسعة . سبعة من الأنصار ، ورجلين من قريش . وهو عاشر ، فلما رهقوه قال : رحم الله رجلا ردهم عنا ، فقام رجل من الأنصار فقاتل ساعة حتى قتل ، فلما رهقوه أيضا قال : رحم الله رجلا ردهم عنا ، فلم يزل يقول ذا حتى قتل السبعة فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لصاحبيه : ما أنصفنا أصحابنا .
فجاء أبو سفيان فقال : أعل هبل فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : قولوا الله أعلى وأجل . فقالوا : الله أعلى وأجل . فقال أبو سفيان : لنا العزى ولا عزى لكم . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : قولوا اللهم مولانا والكافرون لا مولى لهم . ثم قال أبو سفيان : يوم بيوم بدر ، يوم لنا ويوم علينا ، ويوم نساء ويوم نسر ، حنظلة بحنظلة وفلان بفلان . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : لا سواء . أما قتلانا فأحياء يرزقون وقتلاكم في النار يعذبون . قال أبو سفيان : قد كان في القوم مثلة وإن كانت على غير توجيه منا ، ما أمرت ولا نهيت ، ولا أحببت ولا كرهت ، ولا ساءني ولا سرني . قال : فنظروا فإذا حمزة قد بقر بطنه ، وأخذت هند كبده فلاكتها فلم تستطع أن تأكلها . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : أكلت شيئا ؟ قالوا : لا . قال : ما كان الله ليدخل شيئا من حمزة النار . فوضع رسول الله صلى الله عليه وسلم حمزة فصلى عليه ، وجيء برجل من الأنصار فوضع إلى جنبه فصلى عليه فرفع الأنصاري وترك حمزة ، ثم جيء بآخر فوضعه إلى جنب حمزة فصلى عليه ، ثم رفع وترك حمزة حتى صلى عليه يومئذ سبعون صلاة " .
وأخرج أحمد والبخاري ومسلم والنسائي وابن جرير وابن المنذر والبيهقي في الدلائل عن البراء بن عازب قال " جعل رسول الله صلى الله عليه وسلم على الرماة يوم أحد - وكانوا خمسين رجلا - عبد الله بن جبير ووضعهم موضعا وقال : إن رأيتمونا تخطفنا الطير فلا تبرحوا حتى أرسل إليكم ، فهزموهم قال : فأنا - والله - رأيت النساء يشتددن على الجبل وقد بدت أسوقهن وخلاخلهن رافعات ثيابهن . فقال أصحاب عبد الله : الغنيمة أي قوم الغنيمة . . . ظهر أصحابكم فما تنتظرون ؟ قال عبد الله بن جبير : أفنسيتم ما قال لكم رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ فقالوا : إنا والله لنأتين الناس فلنصيبن من الغنيمة . فلما أتوهم صرفت وجوههم فأقبلوا منهزمين ، فذلك الذي يدعوهم الرسول في أخراهم ، فلم يبق مع رسول الله صلى الله عليه وسلم غير اثني عشر رجلا . فأصابوا منا سبعين ، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه أصاب من المشركين يوم بدر أربعين ومائة . سبعين أسيرا ، وسبعين قتيلا .
قال أبو سفيان : أفي القوم محمد ثلاثا ؟ فنهاهم رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يجيبوه ثم قال : أفي القوم ابن أبي قحافة مرتين ؟ أفي القوم ابن الخطاب مرتين ؟ ثم أقبل على أصحابه فقال : أما هؤلاء فقد قتلوا وقد كفيتموهم . فما ملك عمر نفسه أن قال : كذبت - والله - يا عدو الله ، إن الذين عددت أحياء كلهم ، وقد بقي لك ما يسوءك . قال : يوم بيوم بدر والحرب سجال ، إنكم ستجدون في القوم مثلة لم آمر بها ولم تسؤني . ثم أخذ يرتجز : أعل هبل فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ألا تجيبونه ؟ قالوا : يا رسول الله ما نقول ؟ قال قولوا : الله أعلى وأجل . قال : إن لنا العزى ولا عزى لكم . قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ألا تجيبونه ؟ قالوا : يا رسول الله وما نقول ؟ قال : قولوا : الله مولانا ولا مولى لكم " .
وأخرج البيهقي في الدلائل عن جابر قال " انهزم الناس عن رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم أحد وبقي معه أحد عشر رجلا من الأنصار ، وطلحة بن عبيد الله ، وهو يصعد في الجبل ، فلحقهم المشركون فقال : ألا أحد لهؤلاء ؟ فقال طلحة : أنا يا رسول الله فقال : كما أنت يا طلحة فقال رجل من الأنصار : فأنا يا رسول الله فقاتل عنه وصعد رسول الله صلى الله عليه وسلم ومن بقي معه ، ثم قتل الأنصاري فلحقوه فقال : ألا رجل لهؤلاء ؟ فقال طلحة مثل قوله ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم مثل قوله ، فقال رجل من الأنصار : فأنا يا رسول الله وأصحابه يصعدون ، ثم قتل . فلحقوه فلم يزل يقول مثل قوله الأول ، ويقول طلحة أنا يا رسول الله فيحبسه ، فيستأذنه رجل من الأنصار للقتال فيأذن له ، فيقاتل مثل من كان قبله حتى لم يبق معه إلا طلحة ، فغشوهما فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : من لهؤلاء ؟ فقال طلحة : أنا . فقاتل مثل قتال جميع من كان قبله وأصيبت أنامله فقال : حس . فقال : لو قلت بسم الله ، أو ذكرت اسم الله لرفعتك الملائكة والناس ينظرون إليك في جو السماء ، ثم صعد رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى أصحابه وهم مجتمعون " .
وأخرج ابن جرير وابن المنذر عن عبد الرحمن بن عوف في قوله { إذ تحسونهم بإذنه } قال : { الحس } القتل .
وأخرج عبد بن حميد عن ابن عباس . مثله .
وأخرج ابن جرير من طريق علي عن ابن عباس { إذ تحسونهم } قال : تقتلونهم .
وأخرج الطستي في مسائله عن ابن عباس أن نافع بن الأزرق سأله عن قوله { إذ تحسونهم } قال : تقتلونهم قال : وهل تعرف العرب ذلك ؟ قال : نعم . أما سمعت قول الشاعر :
ومنا الذي لاقى بسيف محمد *** فحس به الأعداء عرض العساكر
وأخرج الطبراني عن ابن عباس أن نافع بن الأزرق قال له : أخبرني عن قول الله { إذ تحسونهم بإذنه } قال : تقتلونهم قال : وهل كانت العرب تعرف ذلك قبل أن ينزل الكتاب على محمد صلى الله عليه وسلم ؟ قال : نعم . أما سمعت قول عتبة الليثي :
نحسهم بالبيض حتى كأننا *** نفلق منهم بالجماجم حنظلا
وأخرج ابن جرير وابن المنذر عن ابن عباس { حتى إذا فشلتم } قال : الفشل الجبن . وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن الربيع { حتى إذا فشلتم } يقول : جبنتم عن عدوكم { وتنازعتم في الأمر } يقول : اختلفتم وعصيتم { من بعد ما أراكم ما تحبون } وذلك يوم أحد قال لهم : إنكم ستظهرون فلا أعرفن ما أصبتم من غنائمهم شيئا حتى تفرغوا . فتركوا أمر النبي صلى الله عليه وسلم وعصوا ، ووقعوا في الغنائم ، ونسوا عهده الذي عهده إليهم ، وخالفوا إلى غير ما أمرهم به فنصر عليهم عدوهم من بعد ما أراهم فيهم ما يحبون .
وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر عن سعيد بن عبد الرحمن بن أبزى في قوله { حتى إذا فشلتم } قال : كان وضع خمسين رجلا من أصحابه عليهم عبيد الله بن خوات ، فجعلهم بإزاء خالد بن الوليد على خيل المشركين ، فلما هزم رسول الله صلى الله عليه وسلم الناس قال نصف أولئك : نذهب حتى نلحق بالناس ولا تفوتنا الغنائم ، وقال بعضهم : قد عهد إلينا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن لا نريم حتى يحدث إلينا . فلما رأى خالد بن الوليد رقتهم حمل عليهم ، فقاتلوا خالدا حتى ماتوا ربضة ، فأنزل الله فيهم { ولقد صدقكم الله وعده } إلى قوله { وعصيتم } فجعل أولئك الذين انصرفوا عصاة .
وأخرج ابن المنذر عن البراء بن عازب { من بعد ما أراكم ما تحبون } الغنائم ، وهزيمة القوم .
وأخرج عبد بن حميد وابن أبي حاتم عن مجاهد { من بعد ما أراكم ما تحبون } قال : نصر الله المؤمنين على المشركين حتى ركب نساء المشركين على كل صعب وذلول ، ثم أديل عليهم المشركون بعصيتهم للنبي صلى الله عليه وسلم .
وأخرج ابن جرير عن الضحاك قال : أن نبي الله صلى الله عليه وسلم أمر يوم أحد طائفة من المسلمين فقال : كونوا مسلحة للناس بمنزلة أمرهم أن يثبتوا بها ، وأمرهم أن لا يبرحوا مكانهم حتى يأذن لهم . فلما لقي نبي الله صلى الله عليه وسلم يوم أحد أبا سفيان ومن معه من المشركين ، هزمهم نبي الله صلى الله عليه وسلم ، فلما رأى المسلحة أن الله هزم المشركين انطلق بعضهم يتنادون الغنيمة الغنيمة . . . . لا تفتكم ، وثبت بعضهم مكانهم وقالوا لا نريم موضعنا حتى يأذن لنا نبي الله صلى الله عليه وسلم . ففي ذلك نزل { منكم من يريد الدنيا ومنكم من يريد الآخرة } فكان ابن مسعود يقول : ما شعرت أن أحدا من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم كان يريد الدنيا وعرضها حتى كان يوم أحد .
وأخرج ابن جرير من طريق ابن جريج عن ابن عباس قال : لما هزم الله المشركين يوم أحد قال الرماة : أدركوا الناس ونبي الله صلى الله عليه وسلم لا يسبقونا إلى الغنائم فتكون لهم دونكم . وقال بعضهم : لا نريم حتى يأذن لنا النبي صلى الله عليه وسلم ، فنزلت { منكم من يريد الدنيا ومنكم من يريد الآخرة } قال ابن جريج : قال ابن مسعود : ما علمنا أن أحدا من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم كان يريد الدنيا وعرضها حتى كان يومئذ .
وأخرج أحمد وابن أبي شيبة وابن جرير وابن أبي حاتم والطبراني في الأوسط والبيهقي بسند صحيح عن ابن مسعود قال : ما كنت أرى أن أحدا من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يريد الدنيا حتى نزلت فينا يوم أحد { منكم من يريد الدنيا ومنكم من يريد الآخرة } .
وأخرج ابن جرير عن الحسن في قوله { ثم صرفكم عنهم } قال : صرف القوم عنهم ، فقتل من المسلمين بعدة من أسروا يوم بدر ، وقتل عم رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وكسرت رباعيته ، وشج في وجهه فقالوا : أليس كان رسول الله صلى الله عليه وسلم وعدنا النصر ؟ فأنزل الله { ولقد صدقكم الله وعده } إلى قوله { ولقد عفا عنكم } .
وأخرج ابن جرير عن الحسن في قوله { ولقد عفا عنكم } قال : يقول الله : قد عفوت عنكم إذ عصيتموني أن لا أكون استأصلتكم ، ثم يقول الحسن : هؤلاء مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وفي سبيل الله ، غضاب لله يقاتلون أعداء الله ، نهوا عن شيء فضيعوه ، فوالله ما تركوا حتى غموا بهذا الغم ، قتل منهم سبعون ، وقتل عم رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وكسرت رباعيته ، وشج في وجهه ، فأفسق الفاسقين اليوم يتجرأ على كل كبيرة ، ويركب كل داهية ، ويسحب عليها ثيابه ، ويزعم أن لا بأس عليه فسوف يعلم .
وأخرج ابن جرير وابن المنذر عن ابن جريج في قوله { ولقد عفا عنكم } قال : إذ لم يستأصلكم .
وأخرج البخاري عن عثمان بن موهب قال : جاء رجل إلى ابن عمر فقال : إني سائلك عن شيء فحدثني أنشدك بحرمة هذا البيت . أتعلم أن عثمان بن عفان فر يوم أحد ؟ قال : نعم . قال : فتعلمه تغيب عن بدر فلم يشهدها ؟ قال : نعم . قال : فتعلم أنه تخلف عن بيعة الرضوان فلم يشهدها ؟ قال : نعم . فكبر فقال ابن عمر : تعال لأخبرك ، ولأبين لك عما سألتني عنه . أما فراره يوم أحد فاشهد أن الله عفا عنه . وأما تغيبه عن بدر فإنه كان تحته بنت النبي صلى الله عليه وسلم وكانت مريضة فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم " إن لك أجر رجل وسهمه " . وأما تغيبه عن بيعة الرضوان فلو كان أحد أعز ببطن مكة من عثمان لبعثه مكانه ، فبعث عثمان فكانت بيعة الرضوان بعدما ذهب عثمان إلى مكة ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم بيده اليمنى ، فضرب بها على يده فقال " هذه يد عثمان ، اذهب بها الآن معك " .