بحر العلوم لعلي بن يحيى السمرقندي - السمرقندي  
{وَلَقَدۡ صَدَقَكُمُ ٱللَّهُ وَعۡدَهُۥٓ إِذۡ تَحُسُّونَهُم بِإِذۡنِهِۦۖ حَتَّىٰٓ إِذَا فَشِلۡتُمۡ وَتَنَٰزَعۡتُمۡ فِي ٱلۡأَمۡرِ وَعَصَيۡتُم مِّنۢ بَعۡدِ مَآ أَرَىٰكُم مَّا تُحِبُّونَۚ مِنكُم مَّن يُرِيدُ ٱلدُّنۡيَا وَمِنكُم مَّن يُرِيدُ ٱلۡأٓخِرَةَۚ ثُمَّ صَرَفَكُمۡ عَنۡهُمۡ لِيَبۡتَلِيَكُمۡۖ وَلَقَدۡ عَفَا عَنكُمۡۗ وَٱللَّهُ ذُو فَضۡلٍ عَلَى ٱلۡمُؤۡمِنِينَ} (152)

{ وَلَقَدْ صَدَقَكُمُ الله وَعْدَهُ } وذلك أنهم لما أخذوا في الحرب انهزم المشركون ، فلما أَخَذَ بعض المسلمين في النهب والغارة رجع الأمر عليهم وانهزم المسلمون ، فذلك قوله : { وَلَقَدْ صَدَقَكُمُ الله وَعْدَهُ } . { إِذْ تَحُسُّونَهُمْ بِإِذْنِهِ } يقول : تقتلونهم بأمره . وقال القتبي : { تحسونهم } يعني تستأصلونهم بالقتل ، يقال : جراد محسوس إذا قتله البرد . { حتى إِذَا فَشِلْتُمْ وتنازعتم في الأمر } يعني : جَبُنْتُمْ من عدوكم ، واختلفتم في الأمر { وَعَصَيْتُمْ } أمر الرسول صلى الله عليه وسلم { مّن بَعْدِ مَا أَرَاكُمْ } يعني أراكم الله { مَّا تُحِبُّونَ } يعني من النصر على عدوكم ، وهزيمة الكفار والغنيمة .

ثم قال : { مِنكُم مَّن يُرِيدُ الدُّنْيَا } أي يطلب الغنيمة { وَمِنكُم مَّن يُرِيدُ الآخرة } وهم الذين ثبتوا عند المشركين حتى قتلوا . وروي عن عبد الله بن مسعود أنه قال : كنا لا نعرف أن أحداً منا يريد الدنيا حتى نزلت هذه الآية ، فَعَلِمْنا أن فينا من يريد الدنيا { ثُمَّ صَرَفَكُمْ عَنْهُمْ } بالهزيمة من بعد أن أَظْفَركم عليهم { لِيَبْتَلِيَكُمْ } بمعصية الرسول بالقتل والهزيمة { وَلَقَدْ عَفَا } الله { عَنْكُمْ } ولم يعاقبكم عند ذلك ، فلم تقتلوا جميعاً { والله ذُو فَضْلٍ } في عفوه وإنعامه { عَلَى المؤمنين } بالعفو والإنعام .