تأويلات أهل السنة للماتريدي - الماتريدي  
{وَلَقَدۡ صَدَقَكُمُ ٱللَّهُ وَعۡدَهُۥٓ إِذۡ تَحُسُّونَهُم بِإِذۡنِهِۦۖ حَتَّىٰٓ إِذَا فَشِلۡتُمۡ وَتَنَٰزَعۡتُمۡ فِي ٱلۡأَمۡرِ وَعَصَيۡتُم مِّنۢ بَعۡدِ مَآ أَرَىٰكُم مَّا تُحِبُّونَۚ مِنكُم مَّن يُرِيدُ ٱلدُّنۡيَا وَمِنكُم مَّن يُرِيدُ ٱلۡأٓخِرَةَۚ ثُمَّ صَرَفَكُمۡ عَنۡهُمۡ لِيَبۡتَلِيَكُمۡۖ وَلَقَدۡ عَفَا عَنكُمۡۗ وَٱللَّهُ ذُو فَضۡلٍ عَلَى ٱلۡمُؤۡمِنِينَ} (152)

الآية 152 وقوله تعالى : { ولقد صدقكم الله وعده } أي أنجز الله وعده حين أخبر أنه يلقي في قلوبهم الرعب{[4499]} وقد فعل { إذ تحسونهم بإذنه } قال أهل التفسير : { إذ تضلونهم } . وقوله تعالى { حتى إذا فشلتم وتنازعتم في الأمر } وهو على التقديم والتأخير : حتى إذا تنازعتم فشلتم ؛ إذ التنازع هو سبب الفشل والجبن كقوله : { ولا تنازعوا فتفشلوا } ( الأنفال 46 ) وقوله تعالى : { وعصيتم من بعد ما أراكم ما تحبون } قيل في القصة : عن نفر من رماة أمرهم رسول صلى الله عليه وسلم أن يكونوا في مكان ، وألا يدعوا موقفهم فتركوه ووقعوا في غنائمه فعوقبوا على ذلك .

وقوله عز وجل : من بعد ما أراكم ما تحبون } يحتمل { ما أراكم ما تحبون } من الهزيمة والغنيمة ويحتمل { ما أراكم } من النصر لكم على عدوكم وإنجاز الوعد لكم .

وقوله تعالى : { منكم من يريد الدنيا ومنكم من يريد الآخرة } روي عن ابن مسعود رضي الله عنه أنه قال : ( ما كنا نعرف أن أحدا من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يريد الدنيا حتى نزل قوله : { منكم من يريد الدنيا } وقوله تعالى : { ثم صرفكم عنهم } روي عن ابن عباس رضي الله عنه في قوله { ثم صرفكم عنهم } يعني هزم المسلمون يقول : صرفوا عن المشركين منهزمين بعد أن كانوا هزموهم لكن لما عصوا وتركوا المركز صرفهم الله عن عدوهم { ليبتليكم } أي ذلك الصرف كان لكم من الله ابتلاء ومحنة ) وقيل كان العصيان الذي منكم كان من الله ابتلاء ليعلم من قد علم أنه يعصي عاصيا ، والله أعلم . ودل قوله عز وجل { ثم صرفكم عنهم } وإن كان الانصراف فعلهم فإن الله لفعلهم على ما عليه فعلهم خالفهم وإن خلو الشيء ليس هو ذلك الشيء إذ ذلك إذا كان انصرافا عن العدو معصية وقد يسر الله تعالى عن أن يضاف إليه المعاصي وقد أضاف انصرافهم إلى فعله وهو الصرف ثبت أنه على فعلهم والله أعلم .

( وقوله ) {[4500]} { ولقد عفا عنكم } يحتمل وجهين : يحتمل { عفا عنكم } حين لم يستأصلكم بالقتل ويحتمل { عفا عنكم } حين قبل رجوعكم وتوبتكم عن العصيان .

وهذه الآية قوله عز وجل : { ثم صرفكم } وقوله ؛ { وتلك الأيام نداولها بين الناس } ( آل عمران 140 ) يردان{[4501]} على المعتزلة وكذلك قوله تعالى : { لبرز الذين كتب عليهم القتل } الآية ( آل عمران 154 ) لأنهم يقولون : هم الذين صرفوا لا الله وهم الذين كتبوا عليهم القتل لا الله وهم الذين يداولون لا الله ، وقد أضاف عز وجل ذلك إلى نفسه ، فعلى ذلك لا يضيف إليه إلا ( فعلا له صنع ) {[4502]} فيه ، ولأنهم يقولون : لا يفعل إلا الأصلح لهم في الدين فأي صلاح كان لهم في صرفه إياهم عن عدوهم ؟ وأي صلاح لهم في ما كتب عليهم القتل ؟ فدل أن الله قد يفعل بعباده ما ليس ذلك بأصلح لهم في الدين والله أعلم .

وقوله تعالى : { والله ذو فضل على المؤمنين } بالعفو عنهم وقبول التوبة حين عصوا رسول الله صلى الله عليه وسلم وتركوا أمره . وعلى قول المعتزلة : عليه أن يفعل ذلك ، فعلى قولهم : ليس بذي فضل على أحد ، نعوذ بالله من السرف في القول .

قال الشيخ رحمه الله : الفائدة في تخصيص المؤمنين بالامتنان{[4503]} عليهم دون جملة من بعث النبي صلى الله عليه وسلم فيهم ومنهم مع ما ذكر منته{[4504]} بالبعث من أنفسهم . وقد بينا وجه المنة في البعث من جوهر البشر ( في وجهين ) {[4505]} .

أحدهما : أن من لم يؤمن به لم يكن عرفه نعمة من الله ( تعالى ) {[4506]} وإن كان في الحقيقة نعمة منه لهم ورحمة للعالمين ؟ فخص من عرفه ليشكروا له بما ذكرهم وهو كقوله عز وجل : { إنما تنذر من اتبع الذكر وخشي الرحمن بالغيب } ( يس 11 ) أي هم يقبلون ويعرفون حق الإنذار .

والثاني : أنه صار لهم حجة على جميع الأعداء أنهم لا يطيعونه لمعنى كان منهم إلا ( وهو ) {[4507]} للمؤمنين عليهم وجه رفع ذلك بما كان عليه مما عرفوه قبل الرسالة كما في لزوم القول بصدقه فيكون ذلك منه لهم سرورا ونعمة عظيمة فاستأداهم الله لشكرها . ولا قوة إلا بالله .


[4499]:من م، في الأصل: في النار.
[4500]:ساقطة من الأصل و م.
[4501]:في الأصل و م: يرد
[4502]:في الأصل وم عن فعل وضع له.
[4503]:من م في الأصل الإنسان
[4504]:من م، في الأصل منه.
[4505]:في الأصل وم وجهان.
[4506]:من م.
[4507]:من م في الأ صل و.