الدر المنثور في التفسير بالمأثور للسيوطي - السيوطي  
{۞إِذۡ تُصۡعِدُونَ وَلَا تَلۡوُۥنَ عَلَىٰٓ أَحَدٖ وَٱلرَّسُولُ يَدۡعُوكُمۡ فِيٓ أُخۡرَىٰكُمۡ فَأَثَٰبَكُمۡ غَمَّۢا بِغَمّٖ لِّكَيۡلَا تَحۡزَنُواْ عَلَىٰ مَا فَاتَكُمۡ وَلَا مَآ أَصَٰبَكُمۡۗ وَٱللَّهُ خَبِيرُۢ بِمَا تَعۡمَلُونَ} (153)

أخرج ابن جرير عن الحسن البصري أنه قرأ { تصعدون } بفتح التاء والعين .

وأخرج عبد بن حميد عن عاصم أنه قرأ { تصعدون } برفع التاء وكسر العين .

وأخرج ابن جرير عن هرون قال : في قراءة أبي بن كعب " إذ تصعدون في الوادي " .

وأخرج ابن جرير وابن المنذر من طريق ابن جريج عن ابن عباس { إذ تصعدون } قال : صعدوا في أحد فرارا يدعوهم في أخراهم : " إلي عباد الله ارجعوا ، إلي عباد الله ارجعوا " .

وأخرج ابن المنذر عن عطية العوفي قال : لما كان يوم أحد وانهزم الناس ، صعدوا الجبل والرسول يدعوهم في أخراهم فقال الله { إذ تصعدون ولا تلوون على أحد والرسول يدعوكم في أخراكم } .

وأخرج ابن أبي حاتم عن الحسن أنه سئل عن قوله { إذ تصعدون . . . } الآية . قال : فروا منهزمين في شعب شديد لا يلوون على أحد ، والرسول يدعوهم في أخراهم : " إلي عباد الله ، إلي عباد الله . ولا يلوي عليه أحد " .

وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر عن قتادة في قوله { إذ تصعدون } الآية . قال : ذاكم يوم أحد صعدوا في الوادي فرارا ونبي الله صلى الله عليه وسلم يدعوهم في أخراهم : " إلي عباد الله ، إلي عباد الله " .

وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم من طريق العوفي عن ابن عباس { إذ تصعدون ولا تلوون على أحد والرسول يدعوكم في أخراكم } فرجعوا وقالوا : والله لنأتينهم ثم لنقتلنهم . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " مهلا فإنما أصابكم الذي أصابكم من أجل أنكم عصيتموني " فبينما هم كذلك إذ أتاهم القوم وقد أيسوا ، وقد اخترطوا سيوفهم { فأثابكم غما بغم } فكان غم الهزيمة ، وغمهم حين أتوهم { لكيلا تحزنوا على ما فاتكم } من الغنيمة { وما أصابكم } من القتل والجراحة .

وأخرج ابن مردويه عن عبد الرحمن بن عوف { فأثابكم غما بغم } قال : الغم الأول بسبب الهزيمة ، والثاني حين قيل قتل محمد . وكان ذلك عندهم أعظم من الهزيمة .

وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن مجاهد في قوله { فأثابكم غما بغم } قال : فرة بعد الفرة الأولى حين سمعوا الصوت أن محمدا قد قتل ، فرجع الكفار فضربوهم مدبرين حتى قتلوا منهم سبعين رجلا ، ثم انحازوا إلى النبي صلى الله عليه وسلم ، فجعلوا يصعدون في الجبل والرسول يدعوهم في أخراهم .

وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن قتادة { فأثابكم غما بغم } قال : الغم الأول الجراح والقتل ، والغم الآخر حين سمعوا أن النبي صلى الله عليه وسلم قد قتل . فأنساهم الغم الآخر ما أصابهم من الجراح والقتل ، وما كانوا يرجون من الغنيمة . وذلك قوله { لكيلا تحزنوا على ما فاتكم ولا ما أصابكم } .

وأخرج ابن جرير عن الربيع . مثله .

وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن السدي قال : انطلق النبي صلى الله عليه وسلم يومئذ يدعو الناس حتى انتهى إلى أصحاب الصخرة ، فلما رأوه وضع رجل سهما في قوسه فأراد أن يرميه فقال : أنا رسول الله . ففرحوا بذلك حين وجدوا رسول الله صلى الله عليه وسلم حيا ، وفرح رسول الله صلى الله عليه وسلم حين رأى أن في أصحابه من يمتنع . فلما اجتمعوا وفيهم رسول الله صلى الله عليه وسلم حين ذهب عنهم الحزن ، فأقبلوا يذكرون الفتح وما فاتهم منه ، ويذكرون أصحابهم الذين قتلوا ، فأقبل أبو سفيان حتى أشرف عليهم ، فلما نظروا إليه نسوا ذلك الذي كانوا عليه ، وهمهم أبو سفيان فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم " ليس لهم أن يعلونا ، اللهم إن تقتل هذه العصابة لا تعبد . ثم ندب أصحابه فرموهم بالحجارة حتى أنزلوهم " فذلك قوله { فأثابكم غما بغم } الغم الأول ما فاتهم من الغنيمة والفتح ، والغم الثاني إشراف العدو عليهم { لكيلا تحزنوا على ما فاتكم } من الغنيمة { ولا ما أصابكم } من القتل حين تذكرون فشغلهم أبو سفيان .

وأخرج ابن جرير عن مجاهد قال : أصاب الناس حزن وغم على ما أصابهم في أصحابهم الذين قتلوا ، فلما تولجوا في الشعب وقف أبو سفيان وأصحابه بباب الشعب ، فظن المؤمنون أنهم سوف يميلون عليهم فيقتلونهم أيضا ، فأصابهم حزن من ذلك أنساهم حزنهم في أصحابهم . فذلك قوله سبحانه { فأثابكم غما بغم } .