الهداية إلى بلوغ النهاية لمكي بن ابي طالب - مكي ابن أبي طالب  
{فَتَقَبَّلَهَا رَبُّهَا بِقَبُولٍ حَسَنٖ وَأَنۢبَتَهَا نَبَاتًا حَسَنٗا وَكَفَّلَهَا زَكَرِيَّاۖ كُلَّمَا دَخَلَ عَلَيۡهَا زَكَرِيَّا ٱلۡمِحۡرَابَ وَجَدَ عِندَهَا رِزۡقٗاۖ قَالَ يَٰمَرۡيَمُ أَنَّىٰ لَكِ هَٰذَاۖ قَالَتۡ هُوَ مِنۡ عِندِ ٱللَّهِۖ إِنَّ ٱللَّهَ يَرۡزُقُ مَن يَشَآءُ بِغَيۡرِ حِسَابٍ} (37)

قوله : ( فَتَقَبَّلَهَا رَبُّهَا ) : أي : رضيها مكان المحرر ( ( {[9822]} )وَأَنْبَتَهَا نَبَاتاً حَسَناً ) من غذائه .

وقرأ مجاهد : وتقبلْها بالإسكان ، ( رَبُّهَا ) بالنصب عن النداء و " أنبتها " بكسر الباء والإسكان ، و " كفلْها " ( {[9823]} ) بالإسكان " زكرياءَ " بالنصب( {[9824]} ) .

وقوله : ( بِقَبُولٍ ) أتى مصدراً على غير المصدر ، وكان القياس ضم القاف كالجلوس ، ولكن أتى بالفتح فلا نظير له عند سيبويه( {[9825]} ) .

وقال غيره ، قد أتى منه الولوع والوجود والسعوط كل مصدر على فعول بالفتح( {[9826]} ) .

قوله : ( وَكَفَلَهَا زَكَرِيَّاءُ ) المد في زكرياء لغة ، وزكري لغة ، وزكر( {[9827]} ) ، وحكى أبو حاتم بغير صرف ، وهو غلط عند النحويين لأن ما كانت في هذه الياء( {[9828]} ) . والتخفيف في كفلها على أن زكريا الفاعل . ومن شدد فمعناه كفلها الله زكرياء لأنه تعالى أخرج( {[9829]} ) قلمه إذ ساهم مع أحبار بني إسرائيل عليها من يكفلها .

وكان زكريا زوج خالتها( {[9830]} ) .

وقيل زوج أختها كان( {[9831]} ) .

وامرأة زكريا بنت امرأة عمران ، فهي أخت مريم( {[9832]} ) .

وروي أن زكرياء كان ابن عم مريم أيضاً( {[9833]} ) .

فلما همت بالبلوغ فكانت تخدم في صغرها ( مسجد )( {[9834]} ) بيت المقدس ، أراد زكريا ، أن يكفلها ، وقال : هي ابنة عمي ، وأختها زوجتي ، فلم يتركها له جماعة الأحبار والأنبياء ، فتساهموا عليها ، وأتوا بسهامهم إلى عين ، فطرحوها فيها فغرقت سهامهم كلهم ، إلا سهم زكرياء ، فضمها زكرياء لنفسه فكانت عنده في غرفة بسلم( {[9835]} ) .

وقوله : ( وَجَدَ عِندَهَا رِزْقاً ) .

قال الضحاك : كان يجد عندها فاكهة الصيف في الشتاء وفاكهة الشتاء في الصيف( {[9836]} ) .

وقال ابن إسحاق( {[9837]} ) : كفلها زكرياء بعد هلاك أمها[ و ]( {[9838]} ) ضمها إلى خالتها أم يحيى حتى إذا بلغت أدخلوها الكنيسة لنذر أمها ، فأصابت بني إسرائيل شدة ، فضعف زكرياء عن حملها فتقارع بنو إسرائيل عليها : من يقوم بها ؟ وكلهم يشتكي من الشدة ما يشتكي زكرياء ، ولكن لم يكن لهم بد من حملها ، فخرج السهم لحملها على رجل نجار من بني إسرائيل يقال له جريج ، [ فعرفت مريم في وجهه شدة مؤونة ذلك عليه ، فقالت : يا جريج ]( {[9839]} ) ، أحسن بالله الظن ، فإن الله سيرزقنا ، فجعل جريج يرزق بمكانها عنده فيأتيها كل يوم من كسبه بما يصلحها ، فينميه الله ويكثره ، فيدخل عليها زكريا ، فيرى عندها فضلاً من الرزق ليس بقدر ما يأتيها به جريج ، فيقول : ( يَا مَرْيَمُ أَنَّى لَكِ هَذَا ) أي : من أي وجه لك هذا ؟ فتقول : ( هُوَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَرْزُقُ مَن يَّشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ )( {[9840]} ) .

قد تقدم في البقرة تفسير قوله ( بِغَيْرِ حِسَابٍ ) والاختلاف في ذلك( {[9841]} ) .

والمحراب( {[9842]} ) : هو مقدم كل مجلس ومصلاه( {[9843]} ) .

وهو أيضاً : المكان العالي( {[9844]} ) .


[9822]:- (ج): المحرور، (د): المحرو.
[9823]:- (د): في كفلها.
[9824]:- هي قراءة شاذة، انظر: إعراب النحاس 1/326 ومختصر الشواذ: 20.
[9825]:- انظر: الكتاب 5/362، واللسان (قبل) 11/540.
[9826]:- انظر: المصدر السابق.
[9827]:- استصوب الطبري قراءة المد والقصر في جامع البيان 3/242، وهما لغتان حجازيتان في: اللهجات 430، والقراءة بحذف المد هي قراءة حمزة وحفص والكسائي، انظر: معاني الفراء 1/208. ولمكي اعتراض على هذه القراءة في الكشف 1/241.
[9828]:- كذا في كل النسخ ومعناه غير واضح والصواب (قال أبو حاتم زكري بلا صرف لأنه أعجمي وهذا غلط لأن ما كانت فيه ياء مثل هذه انصرف) عن إعراب النحاس 1/327. وحكى ابن عطية قول أبي حاتم عن مكي على علاته، انظر: المحرر 3/68.
[9829]:- (أ): خرجه.
[9830]:- انظر: جامع البيان 3/243.
[9831]:- عزاه الطبري لقتادة في جامع البيان 3/243، وفي عبارة مكي عنه نظر.
[9832]:- قال ابن العربي: "فأما القرابة فمقطوع بها وتعيينها مما لم يصح، أحكام ابن العربي: 1/274.
[9833]:- انظر: المصدر السابق.
[9834]:- ساقط من (ب) و(د).
[9835]:- تقدمخ ما يفيد هذه المعاني فلا وجه لإعادتها هنا.
[9836]:- انظر: جامع البيان 3/245.
[9837]:- هو أبو بكر محمد بن إسحاق بن يسار المطلبي توفي 152 هـ حسن الحديث، ثقة، وأحد أوعية العلم في المغازي والسير، انظر: تاريخ الثقات 400 وتذكرة الحفاظ 1/173 والتهذيب 9/38.
[9838]:- ساقط من (أ) و(ج).
[9839]:- ساقط من (أ) و(ج).
[9840]:- انظر: جامع البيان 3/246، والدر المنثور 2/186-187، قال المدقق: قال في زاد المسير: والصحيح ما عليه الأكثرون وأن القوم تشاحوا على كفالتها لأنها كانت بنت سيدهم وإمامهم عمران وأن زكريا ظهر عليهم بالقرعة منذ طفولتها. زاد المسير: والله تعالى ذكر في كتابه أن كفلها زكريا 1/330.
[9841]:- انظر: تفسير سورتي الفاتحة والبقرة: 573/5.
[9842]:- المحراب سيد المجالس، ومقدمه وأشرفها مجاز القراء 1/91.
[9843]:- كذا.. وصوابه: ومصلى.
[9844]:- تفسير الغريب 184.