الدر المنثور في التفسير بالمأثور للسيوطي - السيوطي  
{يَٰدَاوُۥدُ إِنَّا جَعَلۡنَٰكَ خَلِيفَةٗ فِي ٱلۡأَرۡضِ فَٱحۡكُم بَيۡنَ ٱلنَّاسِ بِٱلۡحَقِّ وَلَا تَتَّبِعِ ٱلۡهَوَىٰ فَيُضِلَّكَ عَن سَبِيلِ ٱللَّهِۚ إِنَّ ٱلَّذِينَ يَضِلُّونَ عَن سَبِيلِ ٱللَّهِ لَهُمۡ عَذَابٞ شَدِيدُۢ بِمَا نَسُواْ يَوۡمَ ٱلۡحِسَابِ} (26)

أخرج الثعلبي من طريق العوّام بن حوشب قال : حدثني رجل من قومي شهد عمر رضي الله عنه ، أنه سأل طلحة ، والزبير ، وكعباً ، وسلمان ، ما الخليفة من الملك قال : طلحة والزبير : ما ندري ! فقال سلمان رضي الله عنه : الخليفة الذي يعدل في الرعية ، ويقسم بينهم بالسوية ، ويشفق عليهم شفقة الرجل على أهله ، ويقضي بكتاب الله تعالى . فقال كعب : ما كنت أحسب أحداً يعرف الخليفة من الملك غيري .

وأخرج ابن سعد من طريق مردان عن سلمان رضي الله عنه ؛ أن عمر رضي الله عنه قال له : أنا ملك أم خليفة ؟ فقال له سلمان رضي الله عنه : الخليفة الذي يعدل إن أنت جَبَيْتَ من أرض المسلمين درهماً ، أو أقل ، أو أكثر ، ثم وضعته في غير حقه فأنت ملك غير خليفة ، فاستعبر عمر رضي الله عنه .

وأخرج ابن سعد عن ابن أبي العرجاء قال : قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه : والله ما أدري أخليفة أنا أم ملك ؟ قال قائل : يا أمير المؤمنين إن بينهما فرقا قال : ما هو ؟ قال : الخليفة لا يأخذ إلا حقاً ، ولا يضعه إلا في حق ، وأنت الحمد لله كذلك . والملك يعسف الناس ، فيأخذ من هذا ويعطي هذا .

وأخرج ابن سعد عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه قال : إن الأمارة ما ائتمرتها ، وإن الملك ما غلب عليه بالسيف .

وأخرج الثعلبي عن معاوية رضي الله عنه ، أنه كان يقول إذا جلس على المنبر : يا أيها الناس إن الخلافة ليست بجمع المال ، ولكن الخلافة العمل بالحق ، والحكم بالعدل ، وأخذ الناس بأمر الله .

وأخرج الحكيم الترمذي عن سالم مولى أبي جعفر قال : خرجنا مع أبي جعفر أمير المؤمنين إلى بيت المقدس ، فلما دخل وشق بعث إلى الأوزاعي ، فأتاه فقال : يا أمير المؤمنين حدثني حسان بن عطية عن جدك ابن عباس رضي الله عنهما في قوله { يا داود إنا جعلناك خليفة في الأرض فاحكم بين الناس بالحق ولا تتبع الهوى فيضلك عن سبيل الله } قال : إذا ارتفع إليك الخصمان ، فكان لك في أحدهما هوى ، فلا تشتهِ في نفسك الحق له ، فيفلح على صاحبه ، فأمحو اسمك من نبوتي ، ثم لا تكون خليفتي ، ولا كرامة . يا أمير المؤمنين حدثنا حسان بن عطية عن جدك قال : من كره الحق فقد كره الله ، لأن الحق هو الله . يا أمير المؤمنين حدثني حسان بن عطية عن جدك في قوله { لا يغادر صغيرة ولا كبيرة } [ الكهف : 49 ] قال : الصغيرة التبسم والكبيرة الضحك فكيف ما جنته الأيدي ؟

وأخرج ابن جرير عن السدي رضي الله عنه في قوله { فاحكم بين الناس بالحق } يعني بالعدل والإنصاف { ولا تتبع الهوى } يقول : ولا تؤثر هواك في قضائك بينهم على الحق والعدل ، فتزوغ عن الحق ، فيضلك عن سبيل الله .

وأخرج ابن جرير عن عكرمة رضي الله عنه في قوله { لهم عذاب شديد بما نسوا يوم الحساب } قال : هذا من التقديم والتأخير . يقول : لهم يوم الحساب عذاب شديد بما نسوا .

وأخرج أحمد في الزهد عن أبي السليل رضي الله عنه قال : كان داود عليه السلام يدخل المسجد ، فينظر أغمض حلقة من بني إسرائيل ، فيجلس إليهم ثم يقول : مسكيناً بين ظهراني مساكين .

وأخرج أحمد عن زيد بن أسلم رضي الله عنه ، أن ابنا لداود مات ، فاشتد عليه جزعه ، فقيل ما كان يعدل عندك ؟ قال : كان أحب إليَّ من ملء الأرض ذهباً . فقيل له : إن الأجر على قدر ذلك .

وأخرج عبد الله في زوائده والحكيم الترمذي عن سعيد بن جبير رضي الله عنه قال : كان من دعاء داود عليه السلام : سبحان مستخرج الشكر بالعطاء ، ومستخرج الدعاء بالبلاء .

وأخرج عبد الله عن الأوزاعي رضي الله عنه قال : أوحى الله إلى داود عليه السلام « ألا أعلمك علمين إذا عملتهما ألقيت وجوه الناس إليك ، وبلغت بهما رضاي . قال : بلى يا رب قال احتجز فيما بيني وبينك بالورع ، وخالط الناس بأخلاقهم » .

وأخرج أحمد عن يزيد بن منصور رضي الله عنه قال : قال داود عليه السلام إلا ذاكر لله فاذكر معه ، إلا مذكر فاذكر معه .

وأخرج أحمد عن عروة بن الزبير رضي الله عنه قال : كان داود عليه السلام يصنع القفة من الخوص ، وهو على المنبر ثم يرسل بها إلى السوق ، فيبيعها فيأكل بثمنها .

وأخرج أحمد عن سعيد بن أبي هلال رضي الله عنه قال : كان داود عليه السلام إذا قام من الليل يقول : اللهم نامت العيون ، وغارت النجوم ، وأنت الحي القيوم الذي لا تأخذك سنة ولا نوم .

وأخرج أحمد عن عثمان الشحام أبي سلمة قال : حدثني شيخ من أهل البصرة كان له فضل ، وكان له سن قال : بلغني أن داود عليه السلام سأل ربه قال : يا رب كيف لي أن أمشي لك في الأرض بنصح ، واعمل لك فيها بنصح ؟ قال « يا داود تحب من يحبني من أحمر وأبيض ، ولا تزال شفتاك رطبتين من ذكري ، واجتنب فراش الغيبة قال : رب كيف لي أن تحببني في أهل الدنيا البر والفاجر ؟ قال : يا داود تصانع أهل الدنيا لدنياهم ، وتحب أهل الآخرة لآخرتهم ، وتختار إليك دينك بيني وبينك ، فإنك إذا فعلت ذلك لا يضرك من ضل إذا اهتديت قال : رب فأرني أضيافك من خلقك من هم ؟ قال : نقي الكفين ، نقي القلب ، يمشي تماماً ، ويقول صواباً » .

وأخرج الخطيب في تاريخه عن يحيى بن أبي كثير رضي الله عنه قال : قال داود عليه السلام لابنه سليمان عليه السلام : أتدري ما جهد البلاء ؟ قال شراء الخبز من السوق ، والانتقال من منزل إلى منزل .

وأخرج أحمد عن مالك بن دينار رضي الله عنه قال : قال داود عليه السلام : اللهم اجعل حبك أحب إليَّ من نفسي ، وسمعي ، وبصري ، وأهلي ، ومن الماء البارد .

وأخرج أحمد عن وهب رضي الله عنه قال : قال داود عليه السلام رب أي عبادك أحب إليك ؟ قال : مؤمن حسن الصورة قال : فأي عبادك أبغض إليك ؟ قال كافر حسن الصورة ، شكر هذا وكفر هذا قال : يا رب فأي عبادك أبغض إليك ؟ قال عبد استخارني في أمر ، فَخِرْتُ له ، فلم يرض به .

وأخرج عبد الله في زوائده عن عبد الله بن أبي مليكة رضي الله عنه قال : قال داود عليه السلام : إلهي لا تجعل لي أهل سوء ، فأكون رجل سوء .

وأخرج أحمد عن عبد الرحمن قال : بلغني أنه كان من دعاء داود عليه السلام : اللهم لا تفقرني فأنسى ، ولا تغنني فأطغى .

وأخرج أحمد عن الحسن رضي الله عنه قال : قال داود عليه السلام : إلهي أي رزق أطيب ؟ قال : ثمرة يدك يا داود .

وأخرج أحمد عن أبي الجلد رضي الله عنه ، أن الله تعالى أوحى إلى داود عليه السلام : يا داود انذر عبادي الصديقين لا يعجبن بأنفسهم ، ولا يتكلن على أعمالهم ، فإنه ليس أحد من عبادي أنصبه للحساب ، وأقيم عليه عدلي إلا عذبته من غير أن أظلمه ، وبشر الخاطئين أنه لا يتعاظم ذنب أن أغفره ، وأتجاوز عنه .

وأخرج أحمد عن أبي الجلد رضي الله عنه ، أن داود عليه السلام أمر منادياً فنادى : الصلاة جامعة ، فخرج الناس وهم يرون أنه سيكون منه يومئذ موعظة ، وتأديب ، ودعاء ، فلما رقي مكانه قال : اللهم اغفر لنا وانصرف ، فاستقبل آخر الناس أوائلهم قالوا : ما لكم ! قالوا : إن النبي إنما دعا بدعوة واحدة ، فأوحى الله تعالى إليه : أن أبلغ قومك عني ، فإنهم قد استقلوا دعاءك . إني من أغفر له أصلح له أمر آخرته ودنياه .

وأخرج ابن أبي شيبة وأحمد عن عبد الرحمن بن أبزي رضي الله عنه قال : كان داود عليه السلام اصبر الناس على البلاء ، وأحلمهم وأكظمهم للغيظ .

وأخرج أحمد عن سعيد بن عبد العزيز رضي الله عنه قال : قال داود عليه السلام يا رب كيف أسعى لك في الأرض بالنصيحة ؟ قال : تكثر ذكري ، وتحب من أحبني من أبيض وأسود ، وتحكم للناس كما تحكم لنفسك ، وتجتنب فراش الغيبة .

وأخرج ابن أبي شيبة عن أبي عبد الله الجدلي رضي الله عنه قال : كان داود عليه السلام يقول : اللهم إني أعوذ بك من جار عينه تراني ، وقلبه يرعاني . إن رأى خيراً دفنه ، وإن رأى شراً أشاعه .

وأخرج ابن أبي شيبة عن سعيد بن أبي سعيد رضي الله عنه قال : كان من دعاء داود عليه السلام : اللهم إني أعوذ بك من الجار السوء .

وأخرج ابن أبي شيبة عن ابن بريدة رضي الله عنه ، أن داود عليه السلام كان يقول : اللهم إني أعوذ بك من عمل يخزيني ، وهم يرديني ، وفقر ينسيني ، وغنى يطغيني .

وأخرج ابن أبي شيبة وأحمد عن عبد الله بن الحارث رضي الله عنه قال : أوحى الله إلى داود عليه السلام : أحبب عبادي ، وحببني إلى عبادي قال : يا رب هذا أحبك ، وأحب عبادك ، فكيف أحببك إلى عبادك ؟ قال تذكرني عندهم ، فإنهم لا يذكرون مني إلا الحسن .

وأخرج أحمد عن أبي الجعد رضي الله عنه قال : بلغنا أن داود عليه السلام قال : إلهي ما جزاء من عزى حزيناً لا يريد به إلا وجهك ؟ قال : جزاؤه إن ألبسه لباس التقوى قال : إلهي ما جزاء من شيع جنازة لا يريد بها إلا وجهك ؟ قال : جزاؤه أن تشيعه ملائكتي إذا مات ، وإن أصلي على روحه في الأرواح قال : إلهي ما جزاء من أسند يتيماً أو أرملة لا يريد بها إلا وجهك ؟ قال جزاؤه إن أظله تحت ظل عرشي يوم لا ظل إلا ظلي قال : إلهي ما جزاء من فاضت عيناه من خشيتك ؟ قال : جزاؤه أن أؤمنه يوم الفزع الأكبر ، وأن أقي وجهه فيح جهنم .

وأخرج أحمد عن أبي الجلد رضي الله عنه قال : قرأت في مساءلة داود عليه السلام أنه قال : إلهي ما جزاء من يعزي الحزين المصاب ابتغاء مرضاتك ؟ قال : جزاؤه أن أكسوه رداء من أردية الإِيمان أستره به من النار ، وأدخله الجنة قال : إلهي فما جزاء من شيع الجنازة ابتغاء مرضاتك ؟ قال : جزاؤه أن تشيعه الملائكة يوم يموت إلى قبره ، وإن أصلي على روحه في الأرواح قال : إلهي فما جزاء من أسند اليتيم والأرملة ابتغاء مرضاتك ؟ قال : جزاؤه أن أظله في ظل عرشي يوم لا ظل إلا ظلي قال : إلهي فما جزاء من بكى من خشيتك حتى تسيل دموعه على وجهه ؟ قال : جزاؤه إن أحرم وجهه على النار ، وأن أؤمنه يوم الفزع الأكبر .

وأخرج أحمد عن عبد الرحمن بن أبزى رضي الله عنه قال : قال داود عليه السلام لسليمان : كن لليتيم كالأب الرحيم ، وأعلم أنك كما تزرع تحصد ، واعلم أن خطيئة [ أمام ] القوم كالمسيء عند رأس الميت ، واعلم أن المرأة الصالحة لأهلها كالملك المتوّج المخوّص بالذهب ، واعلم أن المرأة السوء لأهلها كالشيخ الضعيف على ظهره الحمل الثقيل ، وما أقبح الفقر بعد الغنى ، وأقبح من ذلك الضلالة بعد الهدى ، وإن وعدت صاحبك فأنجز ما وعدته ، فإنك إن لا تفعل تورث بينك وبينه عداوة ، ونعوذ بالله من صاحب إذا ذكرت لم يعنك ، وإذا نسيت لم يذكرك .

وأخرج ابن أبي شيبة وأحمد عن الحسن رضي الله عنه قال : كان داود عليه السلام يقول : اللهم لا مرض يفنيني ، ولا صحة تنسيني ، ولكن بين ذلك .

وأخرج عبد الله بن زيد بن رفيع قال : نظر داود عليه السلام مبخلاً يهوي بين السماء والأرض فقال : يا رب ما هذا ؟ قال : هذه لعنتي ، أدخلها بيت كل ظلام .

وأخرج ابن أبي شيبة عن ابن أبزى رضي الله عنه قال : قال داود عليه السلام : نعم العون اليسار على الدين .

وأخرج ابن أبي شيبة عن مجاهد رضي الله عنه قال : قال داود عليه السلام : يا رب طال عمري ، وكبر سني ، وضعف ركني ، فأوحى الله إليه « يا داود طوبى لمن طال عمره ، وحسن عمله » .

وأخرج الخطيب من طريق الأوزاعي عن عبد الله بن عامر رضي الله عنه قال : أُعطي داود عليه السلام من حسن الصوت ما لم يُعْطَ أحد قط ، حتى إن كان الطير والوحش حوله حتى تموت عطشاً وجوعاً ، وإن الأنهار لتقف . والله أعلم .