الدر المنثور في التفسير بالمأثور للسيوطي - السيوطي  
{قَالَ لَقَدۡ ظَلَمَكَ بِسُؤَالِ نَعۡجَتِكَ إِلَىٰ نِعَاجِهِۦۖ وَإِنَّ كَثِيرٗا مِّنَ ٱلۡخُلَطَآءِ لَيَبۡغِي بَعۡضُهُمۡ عَلَىٰ بَعۡضٍ إِلَّا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّـٰلِحَٰتِ وَقَلِيلٞ مَّا هُمۡۗ وَظَنَّ دَاوُۥدُ أَنَّمَا فَتَنَّـٰهُ فَٱسۡتَغۡفَرَ رَبَّهُۥ وَخَرَّۤ رَاكِعٗاۤ وَأَنَابَ۩} (24)

وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله { وقليل ما هم } يقول : قليل الذين هم فيه . وفي قوله { إنما فتناه } قال : اختبرناه .

وأخرج ابن جرير عن قتادة رضي الله عنه { وظن داود } قال علم داود .

وأخرج ابن جرير عن قتادة رضي الله عنه { وظن داود أنما فتناه } قال : ظن إنما ابتلي بذلك .

وأخرج سعيد بن منصور وابن أبي شيبة عن سعيد بن جبير رضي الله عنه قال : إنما كان فتنة داود عليه السلام النظر .

وأخرج ابن المنذر عن ابن جريج رضي الله عنه في قوله { وخر راكعاً } قال : ساجداً .

وأخرج عبد بن حميد عن كعب رضي الله عنه قال : سجد داود نبي الله أربعين يوماً ، وأربعين ليلة لا يرفع رأسه حتى رقأ دمعه ويبس ، وكان من آخر دعائه وهو ساجد أن قال : يا رب رزقتني العافية فسألتك البلاء ، فلما ابتليتني لم أصبر ، فإن تعذبني فأنا أهل ذاك ، وإن تغفر لي فأنت أهل ذاك .

قال : وإذا جبريل عليه السلام قائم على رأسه ، قال : يا داود إن الله قد غفر لك ، فارفع رأسك ، فلم يلتفت إليه ، وناجى ربه وهو ساجد فقال : يا رب كيف تغفر لي وأنت الحكم العدل ؟ قال « إذا كان يوم القيامة دفعتك إلى أوريا ، ثم أستوهبك منه ، فيهبك لي ، وأثيبه الجنة قال : يا رب الآن علمت أنك قد غفرت لي ، فذهب يرفع رأسه ، فإذا هو يابس لا يستطيع ، فمسحه جبريل عليه السلام ببعض ريشه فانبسط ، فأوحى الله تعالى إليه بعد ذلك : يا داود قد أحللت لك امرأة أوريا ، فتزوجها فولدت له سليمان عليه الصلاة والسلام . لم تلد قبله ولا بعده » قال كعب رضي الله عنه : فوالله لقد كان داود بعد ذلك يظل صائماً اليوم الحار ، فيقرب الشراب إلى فيه ، فيذكر خطيئته ، فينزل دمعه في الشراب حتى يفيضه ، ثم يرده ولا يشربه .

وأخرج أحمد وعبد بن حميد عن يونس بن خباب رضي الله عنه أن داود عليه السلام بكى أربعين ليلة ، حتى نبت العشب حوله من دموعه ، ثم قال : يا رب قرح الجبين ، ورقا الدمع ، وخطيئتي عليَّ كما هي ، فنودي : أن يا داود أجائع فتطعم ، أم ظمآن فتسقى ، أم مظلوم فتنصر ، فنحب نحبة هاج ما هنالك من الخضرة ، فغفر له عند ذلك .

وأخرج ابن أبي شيبة وعبد بن حميد عن عبيد بن عمير الليثي رضي الله عنه ، أن داود عليه السلام سجد حتى نبت ما حوله خضراً من دموعه ، فأوحى الله إليه : أن يا داود سجدت أتريد أن أزيدك في ملكك ، وولدك ، وعمرك ؟ فقال : يا رب أبهذا ترد عليَّ ؟ أريد أن تغفر لي .

وأخرج أحمد في الزهد والحكيم الترمذي عن الأوزاعي قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « مثل عيني داود كالقربتين ينطفان ماء ، ولقد خددت الدموع في وجهه خديد الماء في الأرض » .

وأخرج ابن أبي شيبة وأحمد وعبد بن حميد من طريق عطاء بن السائب عن أبي عبد الله الجدلي قال : ما رفع داود عليه السلام رأسه إلى السماء بعد الخطيئة حتى مات .

وأخرج ابن أبي شيبة وأحمد وعبد بن حميد عن صفوان بن محرز قال : كان لداود عليه السلام يوم يتأوّه فيه يقول : أوه من عذاب الله ، أوه من عذاب الله ، أوه من عذاب الله ، قيل لا أوه .

وأخرج ابن مردويه عن ابن مسعود قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « لما أوحى الله إلى داود عليه السلام : ارفع رأسك فقد غفرت لك فقال : يا رب كيف تكون هذه المغفرة وأنت قضاء بالحق ، ولست بظلام للعبيد ؟ ورجل ظلمته ، غصبته ، قتلته ، فأوحى الله تعالى إليه : بلى يا داود إنكما تجتمعان عندي ، فاقضي له عليك ، فإذا برز الحق عليك أستوهبك منه ، فوهبك لي وأرضيته من قبلي ، وأدخلته الجنة ، فرفع داود رأسه ، وطابت نفسه ، وقال : نعم . يا رب هكذا تكون المغفرة » .

وأخرج عبد الله بن أحمد في زوائد الزهد وابن جرير عن مجاهد قال : لما أصاب داود الخطيئة { خر ساجداً } أربعين ليلة ، حتى نبت من دموع عينيه من البقل ما غطى رأسه ، ثم نادى رب قرح الجبين ، وجمدت العين ، وداود لم يرجع إليه في خطيئته شيء . فنودي أجائع فَتُطعَم ؟ أم مريض فتشفى ؟ أم مظلوم فتنصر ؟ فنحب نحباً هاج منه نبت الوادي كله ، فعند ذلك غفر له ، وكان يؤتى بالاناء ، فيشرب فيذكر خطيئته ، فينتحب فتكاد مفاصله تزول بعضها من بعض ، فما يشرب بعض الاناء حتى يمتلئ من دموعه ، وكان يقال دمعة داود عليه السلام تعدل دمعة الخلائق ، ودمعة آدم عليه السلام تعدل دمعة داود ودمعة الخلائق ، فيجيء يوم القيامة مكتوبة بكفه يقرأها يقول : ذنبي ذنبي . . فيقول رب قدمني ، فيتقدم فلا يأمن ، ويتأخر فلا يأمن ، حتى يقول تبارك وتعالى : خذ بقدمي .

وأخرج أحمد في الزهد عن علقمة بن يزيد قال : لو عدل بكاء أهل الأرض ببكاء داود ما عدله ، ولو عدل بكاء داود وبكاء أهل الأرض ببكاء آدم عليه السلام حين أهبط إلى الأرض ما عدله .

وأخرج أحمد عن إسماعيل بن عبد الله بن أبي المهاجر ، أن داود عليه السلام كان يعاتب في كثرة البكاء ، فيقول : ذروني أبكي قبل يوم البكاء ، قبل تحريق العظام ، واشتعال اللحى ، وقبل أن يؤمر بي { ملائكة غلاظ شداد لا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون } [ التحريم : 6 ] .

وأخرج أحمد والحكيم الترمذي وابن جرير عن عطاء الخراساني أن داود عليه السلام نقش خطيئته في كفه لكيلا ينساها ، وكان إذا رآها اضطربت يداه .

وأخرج عن مجاهد قال : يحشر داود عليه السلام . سبحانك إلهي إذا ذكرت خطيئتي ضاقت عليَّ الأرض برحبها ، وإذا ذكرت رحمتك ارتدت إليَّ روحي ، سبحانك إلهي ! فكلهم [ رآني ] عليل بذنبي .

وأخرج أحمد عن ثابت قال : اتخذ داود عليه السلام سبع حشايا من سعد ، وحشاهن من الرماد ، ثم بكى حتى أنفذها دموعاً ، ولم يشرب شراباً إلا مزجه بدموع عينيه .

وأخرج أحمد عن وهب بن منبه قال : بكى داود عليه السلام حتى خددت الدموع في وجهه ، واعتزل النساء ، وبكى حتى رعش .

وأخرج أحمد عن مالك بن دينار قال : إذا خرج داود عليه السلام من قبره ، فرأى الأرض ناراً ، وضع يده على رأسه وقال : خطيئتي اليوم موبقتي .

وأخرج عن عبد الرحمن بن جبير ، أن داود عليه السلام كان يقول : اللهم ما كتبت في هذا اليوم من مصيبة ، فخلصني منها ثلاث مرات ، وما أنزلت في هذا اليوم من خير ، فائتني منه نصيباً ثلاث مرات ، وإذا أمسى قال مثل ذلك ، فلم ير بعد ذلك مكروهاً .

وأخرج أحمد عن معمر ؛ أن داود عليه السلام لما أصاب الذنب قال : رب كنت أبغض الخطائين ، فأنا اليوم أحب أن تغفر لهم .

وأخرج عبد الله ابنه والحكيم الترمذي في نوادر الأصول عن سعيد بن أبي هلال . أن داود عليه السلام كان يعوده الناس ، وما يظنون إلا أنه مريض ، وما به إلا شدة الفرق من الله سبحانه وتعالى .

وأخرج ابن أبي شيبة عن كعب قال : كان داود عليه السلام إذا أفطر استقبل القبلة . وقال : اللهم خلصني من كل مصيبة نزلت من السماء ثلاثاً ، وإذا طلع حاجب الشمس قال : اللهم اجعل لي سهماً في كل حسنة نزلت الليلة من السماء إلى الأرض ثلاثاً .

وأخرج أحمد والبخاري وأبو داود والترمذي والنسائي وابن مردويه والبيهقي في سننه عن ابن عباس أنه قال : في السجود في { ص } ليست من عزائم السجود ، وقد رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يسجد فيها .

وأخرج النسائي وابن مردويه بسند جيد عن ابن عباس « أن النبي صلى الله عليه وسلم سجد في { ص } وقال : سجدها داود ، ونسجدها شكراً » .

وأخرج ابن أبي شيبة والبخاري عن العوام قال : سألت مجاهداً عن سجدة « ص » فقال : سألت ابن عباس من أين سجدت ؟ فقال : أو ما تقرأ { ومن ذريته داود وسليمان } [ الأنعام : 84 ] إلى قوله { أولئك الذين هدى الله فبهداهم اقتده } فكان داود ممن أمر نبيكم صلى الله عليه وسلم أن يقتدي به ، فسجد بها داود عليه السلام ، فسجدها رسول الله صلى الله عليه وسلم .

وأخرج سعيد بن منصور عن الحسن قال : " رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يسجد في « ص » حتى نزلت { أولئك الذين هدى الله فبهداهم اقتده } [ الأنعام : 90 ] فسجد فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم " .

وأخرج الترمذي وابن ماجة والطبراني والحاكم وصححه وابن مردويه والبيهقي في الدلائل عن ابن عباس قال : جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال : يا رسول الله إني رأيت في هذه الليلة فيما يرى النائم كأني أصلي عند شجرة ، وكأني قرأت سورة السجدة ، فسجدت فرأيت الشجرة سجدت بسجودي ، وكأني أسمعها وهي تقول اللهم اكتب لي بها عندك ذكراً ، وضع عني بها وزراً ، واجعلها إليّ عندك ذخراً ، وأعظم بها أجراً ، وتقبل مني كما تقبلت من عبدك داود . قال ابن عباس فقرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم السجدة ، فسمعته يقول في سجوده كما أخبر الرجل عن قول الشجرة .

وأخرج ابن مردويه عن أبي هريرة ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سجد في " ص "

وأخرج ابن مردويه عن السائب بن يزيد قال : صليت خلف عمر الفجر فقرأ بنا سورة « ص » فسجد فيها ، فلما قضى الصلاة قال له رجل : يا أمير المؤمنين ومن عزائم السجود هذه ؟ فقال : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يسجد فيها .

أخرج ابن مردويه عن أنس . أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سجد في « ص » .

وأخرج الدارمي وأبو داود وابن خزيمة وابن حبان والدارقطني والحاكم وصححه وابن مردويه والبيهقي في سننه عن أبي سعيد الخدري قال : « قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو على المنبر " ص " فلما بلغ السجدة ، نزل فسجد وسجد الناس معه ، فلما كان آخر يوم قرأها ، فلما بلغ السجدة تهيأ الناس للسجود فقال : إنما هي توبة نبي ، ولكني رأيتكم تهيأتم للسجود ، فنزل فسجد » .

وأخرج سعيد بن منصور وابن أبي شيبة عن سعيد بن جبير « أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قرأ سورة " ص " وهو على المنبر ، فلما أتى على السجدة قرأها ، ثم نزل فسجد » .

وأخرج سعيد بن منصور وابن أبي شيبة عن سعيد بن جبير ، أن عمر بن الخطاب كان يسجد في « ص » .

وأخرج ابن أبي شيبة عن ابن عمر قال : في « ص » سجدة .

وأخرج سعيد بن منصور وابن أبي شيبة والطبراني والبيهقي في سننه عن ابن مسعود ، أنه كان لا يسجد في « ص » ويقول : إنما هي توبة نبي ذكرت .

وأخرج ابن أبي شيبة عن أبي العالية قال : كان بعض أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم يسجد في « ص » وبعضهم لا يسجد ، فأي ذلك شئت فافعل .

وأخرج ابن أبي شيبة عن أبي مريم قال : لما قدم عمر الشام أتى محراب داود عليه السلام ، فصلى فيه ، فقرأ سورة « ص » فلما انتهى إلى السجدة سجد .

وأخرج أحمد والحاكم وصححه وابن مردويه والبيهقي في الدلائل عن أبي سعيد ، أنه رأى رؤيا أنه يكتب « ص » فلما انتهى إلى التي يسجد بها ، رأى الدواة ، والقلم ، وكل شيء بحضرته انقلب ساجداً ، فقصها على النبي صلى الله عليه وسلم ، فلم يزل يسجد بها بعد .

وأخرج أبو يعلى عن أبي سعيد قال : « رأيت فيما يرى النائم كأني تحت شجرة ، وكأن الشجرة تقرأ " ص " فلما أتت على السجدة ، سجدت فقالت في سجودها : اللهم اغفر لي بها ، اللهم حط عني بها وزراً ، واحدث لي بها شكراً ، وتقبلها مني كما تقبلت من عبدك داود سجدته ، فغدوت على رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبرته فقال : " سجدت أنت يا أبا سعيد ؟ فقلت : لا فقال : أنت أحق بالسجود من الشجرة ، ثم قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم " ص " ثم أتى على السجدة ، وقال في سجوده ما قالت الشجرة في سجودها » .

وأخرج الطبراني والخطيب عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : « السجدة التي في " ص " سجدها داود توبة ، ونحن نسجدها شكراً » .

وأخرج الطبراني عن ابن عباس قال : دخلت على النبي صلى الله عليه وسلم في سفره وهو يقرأ « ص » فسجد فيها .