فتح القدير الجامع بين فني الرواية والدراية من علم التفسير للشوكاني - الشوكاني  
{يَٰدَاوُۥدُ إِنَّا جَعَلۡنَٰكَ خَلِيفَةٗ فِي ٱلۡأَرۡضِ فَٱحۡكُم بَيۡنَ ٱلنَّاسِ بِٱلۡحَقِّ وَلَا تَتَّبِعِ ٱلۡهَوَىٰ فَيُضِلَّكَ عَن سَبِيلِ ٱللَّهِۚ إِنَّ ٱلَّذِينَ يَضِلُّونَ عَن سَبِيلِ ٱللَّهِ لَهُمۡ عَذَابٞ شَدِيدُۢ بِمَا نَسُواْ يَوۡمَ ٱلۡحِسَابِ} (26)

لما تمم سبحانه قصة داود أردفها ببيان تفويض أمر خلافة الأرض إليه ، والجملة مقولة لقول مقدر معطوف على غفرنا : أي وقلنا له { يا داوود إِنَّا جَعَلْنَاكَ } استخلفناك على الأرض ، أو { جعلناك خَلِيفَةً } لمن قبلك من الأنبياء لتأمر بالمعروف ، وتنهى عن المنكر { فاحكم بَيْنَ الناس بالحق } أي بالعدل الذي هو حكم الله بين عباده { وَلاَ تَتَّبِعِ الهوى } أي هوى النفس في الحكم بين العباد . وفيه تنبيه لداود عليه السلام أن الذي عوتب عليه ليس بعدل ، وأن فيه شائبة من اتباع هوى النفس { فَيُضِلَّكَ عَن سَبِيلِ الله } بالنصب على أنه جواب للنهي ، وفاعل يضلك هو الهوى ، ويجوز أن يكون الفعل مجزوماً بالعطف على النهي ، وإنما حرك لالتقاء الساكنين ، فعلى الوجه الأول يكون المنهي عنه الجمع بينهما ، وعلى الوجه الثاني يكون النهي عن كلّ واحد منهما على حدة . وسبيل الله : هو طريق الحق ، أو طريق الجنة . وجملة : { إِنَّ الذين يَضِلُّونَ عَن سَبِيلِ الله لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدُ } تعليل للنهي عن اتباع الهوى ، والوقوع في الضلال ، والباء في : { بِمَا نَسُواْ يَوْمَ الحساب } للسببية ، ومعنى النسيان : الترك ، أي : بسبب تركهم العمل لذلك اليوم . قال الزجاج : أي : بتركهم العمل لذلك اليوم صاروا بمنزلة الناسين ، وإن كانوا ينذرون ويذكرون . وقال عكرمة ، والسدّي : في الآية تقديم وتأخير ، والتقدير : ولهم عذاب يوم الحساب بما نسوا ، أي : تركوا القضاء بالعدل ، والأوّل أولى .