الجواهر الحسان في تفسير القرآن للثعالبي - الثعالبي  
{يَٰدَاوُۥدُ إِنَّا جَعَلۡنَٰكَ خَلِيفَةٗ فِي ٱلۡأَرۡضِ فَٱحۡكُم بَيۡنَ ٱلنَّاسِ بِٱلۡحَقِّ وَلَا تَتَّبِعِ ٱلۡهَوَىٰ فَيُضِلَّكَ عَن سَبِيلِ ٱللَّهِۚ إِنَّ ٱلَّذِينَ يَضِلُّونَ عَن سَبِيلِ ٱللَّهِ لَهُمۡ عَذَابٞ شَدِيدُۢ بِمَا نَسُواْ يَوۡمَ ٱلۡحِسَابِ} (26)

وقوله تعالى : { يا داود إِنَّا جعلناك خَلِيفَةً فِي الأرض } تقديرُ الكلامِ : وقُلْنَا لَهُ يا داوُدُ ، قال ( ع ) : ولاَ يُقَالُ خليفةُ اللَّهِ إلا لرسولِه ، وأما الخلفاءُ ، فكل واحدٍ خَليفَةٌ للذي قَبْلَهُ ، ومَا يَجِيءُ في الشِّعْرِ مِنْ تَسْمِيَة أحدهِم خليفةَ اللَّه فذلك تجوُّزٌ وَغُلُوٌّ ؛ أَلا ترى أن الصَّحابَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ حَرَزُوا هذا المعنى ، فقالوا لأبي بَكْرٍ : خليفةُ رسولِ اللَّهِ ، وبهذا كَانَ يدعى مدةَ خلافَتِه ، فَلَمَّا وَلِيَ عُمَرُ ؛ قالُوا : يا خليفةَ خليفةِ رَسُولِ اللَّهِ ، فَطالَ الأمْرُ ، وَرأَوْا أنَّهُ في المُسْتَقْبَلِ سَيَطُولُ أكْثَرَ ؛ فَدَعَوْهُ أَمِيرَ المُؤمنينَ ، وقُصِرَ هَذا الاسْمُ عَلى الخُلَفَاءِ .

وقوله : { فَيُضِلَّكَ } قالَ أبو حيان : منصوبٌ في جوابِ النَّهْي ، ( ص ) أبو البقاءِ وقيل : مجزومٌ عَطْفاً عَلَى النَّهْيِ وفُتِحَتِ اللامُ لالْتِقَاءِ الساكنين ، انتهى .

وقوله سبحانه : { إِنَّ الذين يَضِلُّونَ عَن سَبِيلِ الله } إلى قوله : { وَلِيَتَذَكَّرَ أُوْلُو الألباب } : اعْتِرَاضٌ فصيحٌ بين الكلامينِ من أمرِ دَاوُدَ وسليمانَ ، وهو خطابٌ لنبينا محمدٍ صلى الله عليه وسلم ، وعِظَةٌ لأمَّتِه ، و{ نَسُواْ } في هذه الآية مِعْنَاهُ تَرَكُوا .