الدر المنثور في التفسير بالمأثور للسيوطي - السيوطي  
{وَإِذَا ضَرَبۡتُمۡ فِي ٱلۡأَرۡضِ فَلَيۡسَ عَلَيۡكُمۡ جُنَاحٌ أَن تَقۡصُرُواْ مِنَ ٱلصَّلَوٰةِ إِنۡ خِفۡتُمۡ أَن يَفۡتِنَكُمُ ٱلَّذِينَ كَفَرُوٓاْۚ إِنَّ ٱلۡكَٰفِرِينَ كَانُواْ لَكُمۡ عَدُوّٗا مُّبِينٗا} (101)

أخرج ابن أبي شيبة وعبد بن حميد وأحمد ومسلم وأبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجه وابن الجارود وابن خزيمة والطحاوي وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والنحاس في ناسخه وابن حبان عن يعلى بن أمية قال : " سألت عمر بن الخطاب قلت : { ليس عليكم جناح أن تقصروا من الصلاة إن خفتم أن يفتنكم الذين كفروا } وقد أمن الناس ؟ فقال لي عمر : عجبت مما عجبت منه ! فسألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك فقال : صدقة تصدق الله بها عليكم فاقبلوا صدقته " .

وأخرج ابن أبي شيبة وعبد بن حميد عن أبي حنظلة قال : سألت ابن عمر عن صلاة السفر ؟ فقال : ركعتان . فقلت : فأين قوله تعالى { إن خفتم أن يفتنكم الذين كفروا } ونحن آمنون ؟ فقال : سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم .

وأخرج عبد بن حميد والنسائي وابن ماجه وابن حبان والبيهقي في سننه عن أمية بن عبد الله بن خالد بن أسد . أنه سأل ابن عمر أرأيت قصر الصلاة في السفر ، إنا لا نجدها في كتاب الله ، إنما نجد ذكر صلاة الخوف ؟ ! فقال ابن عمر : يا ابن أخي إن الله أرسل محمدا صلى الله عليه وسلم ولا نعلم شيئا ، فإنما نفعل كما رأينا رسول الله صلى الله عليه وسلم يفعل ، وقصر الصلاة في السفر سنة سنها رسول الله صلى الله عليه وسلم .

وأخرج ابن أبي شيبة وأحمد والبخاري ومسلم وأبو داود والترمذي والنسائي عن حارثة بن وهب الخزاعي قال : " صليت مع النبي صلى الله عليه وسلم الظهر والعصر بمنى ، أكثر ما كان الناس وآمنه ركعتين " .

وأخرج ابن أبي شيبة والترمذي وصححه والنسائي عن ابن عباس قال : " صلينا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بين مكة والمدينة ونحن آمنون لا نخاف شيئا ، ركعتين " .

وأخرج ابن جرير عن أبي العالية قال : سافرت إلى مكة فكنت أصلي ركعتين ، فلقيني قراء من أهل هذه الناحية فقالوا : كيف تصلي ؟ قلت ركعتين ! قالوا أسنة وقرآن ؟ ! قلت : كل سنة وقرآن صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ركعتين . قالوا : إنه كان في حرب ! قلت : قال الله ( لقد صدق الله رسوله الرؤيا بالحق لتدخلن المسجد الحرام إن شاء الله آمنين محلقين رؤوسكم ومقصرين لا تخافون ) ( الفتح الآية 27 ) وقال { وإذا ضربتم في الأرض فليس عليكم جناح أن تقصروا من الصلاة } فقرأ حتى بلغ ( فإذا اطمأننتم ) ( النساء الآية 102 ) .

وأخرج ابن أبي شيبة والترمذي وصححه والنسائي عن ابن عباس قال : " صلينا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بين مكة والمدينة ونحن آمنون لا نخاف شيئا ، ركعتين " .

وأخرج ابن جرير عن علي قال : " سأل قوم من التجار رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا : يا رسول الله إنا نضرب في الأرض فكيف نصلي ؟ فأنزل الله { وإذا ضربتم في الأرض فليس عليكم جناح أن تقصروا من الصلاة } ثم انقطع الوحي ، فلما كان بعد ذلك بحول غزا النبي صلى الله عليه وسلم ، فصلى الظهر فقال المشركون : لقد أمكنكم محمد وأصحابه من ظهورهم ، هلا شددتم عليهم ؟ فقال قائل منهم : إن لهم مثلها أخرى في أثرها ، فأنزل الله بين الصلاتين { إن خفتم أن يفتنكم الذين كفروا إن الكافرين كانوا لكم عدوا مبينا ، وإذا كنت فيهم فأقمت لهم الصلاة فلتقم طائفة منهم معك } إلى قوله { إن الله أعد للكافرين عذابا مهينا } فنزلت صلاة الخوف " .

وأخرج ابن أبي شيبة عن إبراهيم قال : قال رجل : يا رسول الله إني رجل تاجر أختلف إلى البحرين فأمره أن يصلي ركعتين .

وأخرج ابن جرير وابن المنذر عن أبي بن كعب أنه كان يقرأ { فاقصروا من الصلاة أن يفتنكم الذين كفروا } ولا يقرأ { إن خفتم } وهي في مصحف عثمان { إن خفتم أن يفتنكم الذين كفروا } .

وأخرج ابن جرير من طريق عمر بن عبد الله بن محمد بن عبد الرحمن ابن أبي بكر الصديق قال : سمعت أبي يقول : " سمعت عائشة تقول : في السفر أتموا صلاتكم . فقالوا : إن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يصلي في السفر ركعتين ؟ فقالت : إن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان في حرب ، وكان يخاف هل تخافون أنتم ؟ ! " .

وأخرج ابن جرير عن ابن جريج قال : " قلت لعطاء أي أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يتم الصلاة في السفر ؟ قال : عائشة ، وسعد بن أبي وقاص " .

وأخرج ابن جرير عن أمية بن عبد الله " أنه قال لعبد الله بن عمر : إنا نجد في كتاب الله قصر الصلاة في الخوف ولا نجد قصر صلاة المسافر ؟ فقال عبد الله : إنا وجدنا نبينا صلى الله عليه وسلم يعمل عملا عملنا به " .

وأخرج عبد الرزاق وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن مجاهد في قوله { ليس عليكم جناح أن تقصروا من الصلاة } قال : " أنزلت يوم كان النبي صلى الله عليه وسلم بعسفان والمشركون بضجنان ، فتوافقوا فصلى النبي صلى الله عليه وسلم بأصحابه صلاة الظهر أربعا ، ركوعهم وسجودهم وقيامهم معا جمعا ، فهم به المشركون أن يغيروا على أمتعتهم وأثقالهم ، فأنزل الله ( فلتقم طائفة منهم معك ) ( النساء الآية 102 ) فصلى العصر ، فصف أصحابه صفين ، ثم كبر بهم جميعا ، ثم سجد الأولون لسجوده والآخرون قيام لم يسجدوا حتى قام النبي صلى الله عليه وسلم ، ثم كبر بهم وركعوا جميعا ، فتقدم الصف الآخر واستأخر الصف المقدم ، فتعاقبوا السجود كما فعلوا أول مرة ، وقصر العصر إلى ركعتين " .

وأخرج عبد الرزاق عن طاوس في قوله { أن تقصروا من الصلاة إن خفتم أن يفتنكم الذين كفروا } قال : قصرها من الخوف والقتال الصلاة في كل وجه راكبا وماشيا قال : فأما صلاة النبي صلى الله عليه وسلم هذه الركعتان ، وصلاة الناس في السفر ركعتين فليس بقصر ، هو وقاؤها .

وأخرج عبد الرزاق عن عمرو بن دينار في قوله { إن خفتم أن يفتنكم الذين كفروا } قال : إنما ذلك إذا خافوا الذين كفروا ، وسن النبي صلى الله عليه وسلم بعد ركعتين ، وليس بقصر ولكنها وفاء .

وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن السدي في قوله { وإذا ضربتم في الأرض فليس عليكم جناح أن تقصروا من الصلاة } إذا صليت ركعتين في السفر فهي تمام ، والتقصير لا يحل إلا أن تخاف من الذين كفروا أن يفتنوك عن الصلاة ، والتقصير ركعة ، يقوم الإمام ويقوم معه طائفتان ، طائفة خلفه وطائفة يوازون العدو ، فيصلي بمن معه ركعة ، ويمشون إليهم على أدبارهم حتى يقوموا في مقام أصحابهم ، وتلك المشية القهقرى ، ثم تأتي الطائفة الأخرى فتصلي مع الإمام ركعة ، ثم يجلس الإمام فيسلم ، فيقومون فيصلون لأنفسهم ركعة ، ثم يرجعون إلى صفهم ، ويقوم الآخرون فيضيفون إلى ركعته شيئا تجزئه ركعة الإمام ، فيكون للإمام ركعتان ولهم ركعة ، فذلك قول الله ( وإذا كنت فيهم فأقمت لهم الصلاة ) إلى قوله ( وخذوا حذركم ) ( النساء الآية 102 ) .

وأخرج الطستي في مسائله عن ابن عباس . أن نافع بن الأزرق سأله عن قوله { أن يفتنكم الذين كفروا } قال : بالعذاب والجهل بلغة هوزان . قال : وهل تعرف العرب ذلك ؟ قال : نعم . أما سمعت قول الشاعر :

كل امرئ من عباد الله مضطهد *** ببطن مكة مقهور ومفتون .

وأخرج عبد بن حميد وابن جرير عن سماك الحنفي قال : سألت ابن عمر عن صلاة السفر فقال : ركعتان تمام غير قصر ، إنما القصر صلاة المخافة . قلت : وما صلاة المخافة ؟ قال : يصلي الإمام بطائفة ركعة ، ثم يجيء هؤلاء إلى مكان هؤلاء وهؤلاء إلى مكان هؤلاء ، فيصلي بهم ركعة ، فيكون للإمام ركعتان ولكل طائفة ركعة ركعة .

وأخرج مالك وعبد بن حميد والبخاري ومسلم عن عائشة قالت : " فرضت الصلاة ركعتين في السفر والحضر ، فأقرت صلاة السفر وزيد في صلاة الحضر " .

وأخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد عن عائشة قالت : " فرضت الصلاة على النبي بمكة ركعتين ركعتين ، فلما خرج إلى المدينة فرضت أربعا ، وأقرت صلاة السفر ركعتين " .

وأخرج أحمد والبيهقي في سننه عن عائشة قالت : " فرضت الصلاة ركعتين ركعتين إلا المغرب فرضت ثلاثا ، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا سافر صلى الصلاة الأولى ، وإذا أقام زاد مع كل ركعتين ركعتين إلا المغرب لأنها وتر ، والصبح لأنها تطول فيها القراءة " .

وأخرج البيهقي عن ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " يا أهل مكة ! لا تقصروا الصلاة في أدنى من أربعة برد من مكة إلى عسفان " .

وأخرج الشافعي والبيهقي عن عطاء بن أبي رباح . أن عبد الله بن عمر ، وعبد الله بن عباس ، كانا يصليان ركعتين ويفطران في أربعة برد فما فوق ذلك .

وأخرج ابن أبي شيبة والبيهقي عن ابن عباس . أنه سئل أتقصر إلى عرفة ؟ فقال : لا ، ولكن إلى عسفان ، وإلى جدة ، وإلى الطائف .

وأخرج ابن أبي شيبة وابن جرير والنحاس عن ابن عباس قال : فرض الله الصلاة على لسان نبيكم في الحضر أربعا ، وفي السفر ركعتين ، وفي الخوف ركعة .

وأخرج ابن جرير عن ابن عباس { وإذا ضربتم في الأرض } الآية . قال : قصر الصلاة - إن لقيت العدو وقد حانت الصلاة - أن تكبر الله وتخفض رأسك إيماء راكبا كنت أو ماشيا .

وأخرج ابن أبي حاتم عن الضحاك في قوله { ليس عليكم جناح أن تقصروا من الصلاة } قال : ذاك عند القتال ، يصلي الرجل الراكب تكبيرة من حيث كان وجهه .