فتح القدير الجامع بين فني الرواية والدراية من علم التفسير للشوكاني - الشوكاني  
{فَأَجَآءَهَا ٱلۡمَخَاضُ إِلَىٰ جِذۡعِ ٱلنَّخۡلَةِ قَالَتۡ يَٰلَيۡتَنِي مِتُّ قَبۡلَ هَٰذَا وَكُنتُ نَسۡيٗا مَّنسِيّٗا} (23)

{ فَأَجَاءهَا المخاض إلى جِذْعِ النخلة } أي ألجأها واضطرها ، ومنه قول زهير :

أجاءته المخافة والرجاء *** . . .

وقرأ شبل : «فاجأها » من المفاجأة ، ورويت هذه القراءة عن عاصم ، وقرأ الحسن بغير همز ، وفي مصحف أبيّ : «فلما أجاءها » قال في الكشاف : إن «أجاءها » منقول من جاء ، إلا أن استعماله قد تعين بعد النقل إلى معنى الإلجاء ، وفيه بعد ، والظاهر أن كل واحد من الفعلين موضوع بوضع مستقلّ ، والمخاض مصدر مخضت المرأة تمخض مخضاً ومخاضاً إذا دنا ولادها . وقرأ الجمهور بفتح الميم . وقرأ ابن كثير بكسرها ، والجذع : ساق النخلة اليابسة ، كأنها طلبت شيئاً تستند إليه وتتعلق به كما تتعلق الحامل لشدّة وجع الطلق بشيء مما تجده عندها ، والتعريف إما للجنس أو للعهد { قَالَتْ يا مِتُّ قَبْلَ هذا } أي قبل هذا الوقت ، تمنت الموت لأنها خافت أن يظنّ بها السوء في دينها ، أو لئلا يقع قوم بسببها في البهتان { وَكُنتُ نَسْياً } النسي في كلاب العرب : الشيء الحقير الذي من شأنه أن ينسى ولا يذكر ولا يتألم لفقده كالوتد والحبل ، ومنه قول الكميت :

أتجعلنا خسراً لكلب قضاعة *** ولسنا بنسي في معدّ ولا دخل

وقال الفراء : النسي : ما تلقيه المرأة من خرق اعتلالها ، فتقول مريم : { نَسْياً مَنسِيّاً } أي حيضة ملقاة ، وقد قرئ بفتح النون وكسرها ، وهما لغتان مثل الحجر والحجر ، والوتر والوتر . وقرأ محمد بن كعب القرظي : «نساء » بالهمز مع كسر النون . وقرأ نوف البكالي بالهمز مع فتح النون . وقرأ بكر بن حبيب { نسياً } بفتح النون وتشديد الياء بدون همز ، والمنسي المتروك الذي لا يذكر ولا يخطر ببال أحد من الناس .

/خ26