فتح القدير الجامع بين فني الرواية والدراية من علم التفسير للشوكاني - الشوكاني  
{يَـٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ لَيَبۡلُوَنَّكُمُ ٱللَّهُ بِشَيۡءٖ مِّنَ ٱلصَّيۡدِ تَنَالُهُۥٓ أَيۡدِيكُمۡ وَرِمَاحُكُمۡ لِيَعۡلَمَ ٱللَّهُ مَن يَخَافُهُۥ بِٱلۡغَيۡبِۚ فَمَنِ ٱعۡتَدَىٰ بَعۡدَ ذَٰلِكَ فَلَهُۥ عَذَابٌ أَلِيمٞ} (94)

قوله : { لَيَبْلُوَنَّكُمُ } أي ليختبرنكم ، واللام جواب قسم محذوف ، كان الصيد أحد معايش العرب فابتلاهم الله بتحريمه مع الإحرام وفي الحرم ، كما ابتلى بني إسرائيل أن لا يعتدوا في السبت ، وكان نزول الآية في عام الحديبية ، أحرم بعضهم وبعضهم لم يحرم ، فكان إذا عرض صيدهم اختلفت فيه أحوالهم .

وقد اختلف العلماء في المخاطبين بهذه الآية ، هل هم المحلون أو المحرمون ؟ فذهب إلى الأوّل : مالك وإلى الثاني : ابن عباس ، والراجح أن الخطاب للجميع ، ولا وجه لقصره على البعض دون البعض ، و«من » في { مّنَ الصيد } للتبعيض وهو صيد البر ، قاله ابن جرير الطبري وغيره ؛ وقيل : إن «من » بيانية أي شيء حقير من الصيد ، وتنكير شيء للتحقير . قوله : { تَنَالُهُ أَيْدِيكُمْ ورماحكم } قرأ ابن وثاب : { يناله } بالياء التحتية ، هذه الجملة تقتضي تعميم الصيد ، وأنه لا فرق بين ما يؤخذ باليد ، وهو ما لا يطيق الفرار كالصغار والبيض ، وبين ما تناله الرماح : وهو ما يطيق الفرار ، وخصّ الأيدي بالذكر لأنها أكثر ما يتصرّف به الصائد في أخذ الصيد ، وخص الرماح بالذكر ؛ لأنها أعظم الآلات للصيد عند العرب . قوله : { لِيَعْلَمَ الله مَن يَخَافُهُ بالغيب } أي : ليتميز عند الله من يخافه منكم بسبب عقابه الأخروي فإنه غائب عنكم غير حاضر ، { فَمَنِ اعتدى بَعْدَ ذلك فَلَهُ عَذَاب أَلِيم } أي بعد هذا البيان الذي امتحنكم الله به ، لأن الاعتداء بعد العلم بالتحريم معاندة لله سبحانه وتجرئة عليه .

/خ99