تفسير القرآن الكريم لعبد الله شحاته - شحاته [إخفاء]  
{وَمِنَ ٱلنَّاسِ وَٱلدَّوَآبِّ وَٱلۡأَنۡعَٰمِ مُخۡتَلِفٌ أَلۡوَٰنُهُۥ كَذَٰلِكَۗ إِنَّمَا يَخۡشَى ٱللَّهَ مِنۡ عِبَادِهِ ٱلۡعُلَمَـٰٓؤُاْۗ إِنَّ ٱللَّهَ عَزِيزٌ غَفُورٌ} (28)

27

{ ومن الناس والدواب والأنعام مختلف ألوانه كذلك . . . }

المفردات :

الدواب : جمع دابة وهي ما دب من الحيوان وغلب على ما يركب ويقع على المذكر أيضا .

التفسير :

وخلق الله خلقا آخر من الناس والدواب والأنعام التي هي الإبل والبقر والغنم مختلفة الألوان في الجنس الواحد ، بل وفي النوع الواحد وفي الحيوان الواحد كاختلاف الثمار والجبال .

قال تعالى : ومن ءاياته خلق السماوت والأرض واختلاف ألسنتكم وألوانكم . . . ( الروم : 22 ) .

والدواب هي كل ما دب على القوائم والأنعام من باب عطف الخاص على العام ، وكلمة : كذلك هنا تمام الكلام أي : كذلك الناس والدواب والأنعام مختلفة الألوان .

{ إنما يخشى الله من عباده العلماء . . . } فالعلماء والباحثون والعارفون بأسرار الكون وجمال الخلق والمتأملون في ألوان الجبال والناس والحيوان هم الذين يخشون الله ويدركون جلال قدره وعظيم نعمائه وكثير عطائه وجليل قدرته والمراد بالعلماء هنا : علماء الطبيعة والحياة وأسرار الكون .

{ إن الله عزيز غفور } أي : هو سبحانه كامل العزة والقدرة وكامل المغفرة لأهل طاعته ومعرفته .

وفي بعض الآثار : نزلت هذه الآية في أبي بكر الصديق وقد ظهرت عليه هذه الخشية حتى عرفت فيه .

خلاصة من ظلال القرآن :

الجمال عنصر مقصود في هذا الكون فالألوان والصباغ والأشكال عنصر جمالي وألوان الزهرة وجمالها يجتذب الفراشة والنحلة لتؤدي وظيفة نقل اللقاح إلى الزهور الأخرى وألوان البشر وأصباغها وتفاوت درجات الألوان والأصباغ بين أخوين شقيقين وربما بين توءمين تؤدي إلى الرغبة الجنسية بين الذكر والأنثى وتؤدي إلى إعمار الكون والتناسل والنسب والصهر ومثل هذه الرغبة نجدها بين الحيوانات والطيور لحكمة إلهية .

قال تعالى : ومن كل شيء خلقنا زوجين لعلكم تذكرون . ( الذاريات : 49 ) .

وقال عز شأن : سبحان الذي خلق الأزواج كلها مما تنبت الأرض ومن أنفسهم ومما لايعملون . ( يس : 36 ) .

إن العلماء هم الذين يدركون روعة هذا الكون ، وروعة الجبال في الألوان والأصباغ ودرجات التفاوت ونسبتها في اللون الواحد فيؤمنون بالله عز وجل عن معرفة دقيقة وعلم مباشر .

 
معالم التنزيل في تفسير القرآن الكريم للبغوي - البغوي [إخفاء]  
{وَمِنَ ٱلنَّاسِ وَٱلدَّوَآبِّ وَٱلۡأَنۡعَٰمِ مُخۡتَلِفٌ أَلۡوَٰنُهُۥ كَذَٰلِكَۗ إِنَّمَا يَخۡشَى ٱللَّهَ مِنۡ عِبَادِهِ ٱلۡعُلَمَـٰٓؤُاْۗ إِنَّ ٱللَّهَ عَزِيزٌ غَفُورٌ} (28)

قوله تعالى : { ومن الناس والدواب والأنعام مختلف ألوانه } ذكر الكناية لأجل { من } وقيل : رد الكناية إلى ما في الإضمار ، مجازه : ومن الناس والدواب والأنعام ما هو مختلف ألوانه ، { كذلك } يعني كما اختلف ألوان الثمار والجبال ، وتم الكلام ها هنا ثم ابتدأ فقال : { إنما يخشى الله من عباده العلماء } قال ابن عباس : يريد إنما يخافني من خلقني من علم جبروتي وعزتي وسلطاني .

أخبرنا عبد الواحد المليحي ، أنبأنا أحمد بن عبد الله النعيمي ، أنبأنا محمد بن يوسف ، أنبأنا محمد بن إسماعيل ، أنبأنا عمر بن حفص ، أنبأنا أبي أنبأنا الأعمش ، أنبأنا مسلم ، عن مسروق قال : قالت عائشة رضي الله عنها : " صنع رسول الله صلى الله عليه وسلم شيئاً فرخص فيه ، فتنزه عنه قوم ، فبلغ ذلك النبي صلى الله عليه وسلم فخطب فحمد الله ثم قال : ما بال أقوام يتنزهون عن الشيء أصنعه فوالله إني لأعلمهم بالله وأشدهم له خشية " . وقال النبي صلى الله عليه وسلم : " لو تعلمون ما أعلم لضحكتم قليلاً ولبكيتم كثيراً " . وقال مسروق : كفى بخشية الله علماً وكفى بالاغترار بالله جهلاً . وقال رجل للشعبي : أفتني أيها العالم ، فقال الشعبي : إنما العالم من خشي الله عز وجل . { إن الله عزيز غفور } أي : عزيز في ملكه غفور لذنوب عباده .

 
نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي - البقاعي [إخفاء]  
{وَمِنَ ٱلنَّاسِ وَٱلدَّوَآبِّ وَٱلۡأَنۡعَٰمِ مُخۡتَلِفٌ أَلۡوَٰنُهُۥ كَذَٰلِكَۗ إِنَّمَا يَخۡشَى ٱللَّهَ مِنۡ عِبَادِهِ ٱلۡعُلَمَـٰٓؤُاْۗ إِنَّ ٱللَّهَ عَزِيزٌ غَفُورٌ} (28)

ولما أكد هذا بما دل على خلوصه ، قدم ذكر الاختلاف عليه ، ولما ذكر تعالى ما الأغلب فيه الماء مما استحال إلى آخر بعيد من الماء ، وأتبعه التراب الصرف ، ختم بما الأغلب فيه التراب مما استحال إلى ما هو في غاية البعد من التراب فقال : { ومن الناس } أي المتحركين بالفعل والاختيار { والدواب } ولما كانت الدابة في الأصل لما دب على الأرض ، ثم غلب إطلاقه على ما يركب قال : { والأنعام } ليعم الكل صريحاً { مختلف ألوانه } أي ألوان ذلك البعض الذي أفهمته " من " { كذلك } أي مثل الثمار والأراضي فمنه ما هو ذو لون واحد ، ومنه ما هو ذو ألوان مع أن كل ما ذكر فهو من الأراضي متجانس الأعيان مختلف الأوصاف ، ونسبته إليها وإلى السماء واحدة فأين حكم الطبائع .

ولما ثبت بهذا البرهان أنه سبحانه فاعل بالاختيار ، فهو يفعل فيما يشاء ومن يشاء ، ما يشاء فيجعل الشيء الواحد لقوم نوراً ولقوم عمى ، وكان ذلك مرغباً في خدمته مرهباً من سطوته سبحانه وتعالى وتقدس لكل ذي لب ، وكان السياق لإنذار من يخشى بالغيب ، فثبت أن الإنذار بهذا القرآن يكون لقوم أراد الله خشيتهم خشية ، ولقوم أراد الله قسوتهم قسوة ، التفت النفس إلى طلب قانون يعرف به من يخشى ومن لا يخشى ، فقال على سبيل الاستنتاج من ذلك ، دفعاً لظن من يحسب أنه يمكن أن يكون ولي جاهلاً : { إنما يخشى الله } أي الذي له جميع الكمال ، ولا كمال لغيره إلا منه ، ودل على أن كل من سواه في قبضته وتحت قهره بقوله : { من عباده } ثم ذكر محط الفائدة وهو من ينفع إنذاره فقال : { العلماء } أي لا سواهم وإن كانوا عباداً وإن بلغت عبادتهم ما عسى أن تبلغ ، لأنه لا يخشى أحد أحداً إلا مع معرفته ، ولا يعرفه جاهل ، فصار المعنى كأنه قيل : إنما ينفع الإنذار أهل الخشية ، وإنما يخشى العلماء ، والعالم هو الفقيه العامل بعلمه ، قال السهروردي في الباب الثالث من عوارفه : فينتفي العلم عمن لا يخشى الله ، كما إذا قال : إنما يدخل الدار بغدادي ، فينتفي دخول غير البغدادي الدار هذا معنى القراءة المشهورة .

ولما كان سبب الخشية التعظيم والإجلال ، وكان كل أحد لا يجل إلا من أجله ، وكان قد ثبت أن العلماء يجلون الله ، وكان سبب إجلالهم له إجلاله لهم ، كان هذا معنى القراءة الأخرى ، فكان كأنه قيل : إنما ينفع الإنذار من يجهل الله فالله يجله لعلمه ، وسئل شيخنا محقق زمانه قاضي الشافعية بمصر محمد بن علي القاياتي عن توجيه هذه القراءة فأطرق يسيراً ثم رفع رأسه فقال :

أهابك إجلالاً وما بك قدرة *** عليّ ولكن مليء عين حبيبها

ولما ثبت بهذا السياق أنه سبحانه فاعل هذه الأشياء المتضادة باختياره ، علل ذلك ليفيد أن قدرته على كل ما يريد كقدرته عليه بقوله على سبيل التأكيد تنبيهاً على أنه سبحانه لا يعسر عليه شيء وأنه أهل لأن يخشى ولذلك أظهر الاسم الأعظم : { إن الله } أي المحيط بالجلال والإكرام { عزيز } أي غالب على جميع أمره . ولما كان هذا مرهباً من سطوته موجباً لخشيته لإفهامه أنه يمنع الذين لا يخشون من رحمته ، رغبهم بقوله : { غفور * } في أنه يمحو ذنوب من يريد منهم فيقبل بقلبه إليه وهو أيضاً من معاني العزة .