( سورة العاديات مكية ، وآياتها 11 آية ، نزلت بعد سورة العصر )
تصف سورة العاديات الحرب بين كفار مكة والمسلمين ، وتبدأ بمشهد الخيل العادية الضابحة ، القادحة للشرر بحوافرها ، المغيرة مع الصباح ، المثيرة للنقع وهو الغبار ، الداخلة في وسط العدو فجأة تأخذه على غرة ، وتثير في صفوفه الذعر والفرار . يليه مشهد ما في النفس من الكنود والجحود والأثرة والشح الشديد ، ثم يعقبه مشهد لبعثرة القبور ، وتحصيل ما في الصدور ، وفي الختام ينتهي النقع المثار ، وينتهي الكنود والشح ، وتنتهي البعثرة والجمع إلى نهايتها جميعا . . إلى الله ، فتستقر هناك : إن ربهم بهم يومئذ لخبير . ( العاديات : 11 ) .
1-5- والعاديات ضبحا* فالموريات قدحا* فالمغيرات صبحا* فأثرن به نقعا* فوسطن به جمعا .
يقسم الله سبحانه بخيل المعركة ، ويصف حركاتها واحدة واحدة ، منذ أن تبدأ عدوها وجريها ضابحة بأصواتها المعروفة حين تجري ، قارعة للصخر بحوافرها ، حتى تورى الشرر منها ، مغيرة في الصباح الباكر لمفاجأة العدو ، مثيرة للنقع والغبار ، وهي تتوسط صفوف الأعداء على غرة ، فتوقع بينهم الفوضى والاضطراب .
6-8- إن الإنسان لربه لكنود* وإنه على ذلك لشهيد* وإنه لحبّ الخير لشديد .
يقسم سبحانه على أن الإنسان كنود جحود ، كفور بنعمة الله ، يعد المصائب وينسى النعم .
( وروي عن النبي صلى الله عليه وسلم : ( الكنود الذي يأكل وحده ، ويضرب عبده ، ويمنع رفده ) . كأنه لا يعطي مما أنعم الله به عليه ، ولا يرأف بعباد الله رأف به ، فهو كافر بنعمة ربه . غير أن الآية عامة ، والمراد منها ذكر حالة من حالات الإنسان التي تلازمه في أغلب أفراده )i ، إلا من عصمهم الله ، وهم الذين روّضوا أنفسهم على فعل الفضائل وترك الرذائل .
وسر هذه الجملة أن الإنسان يحصر همه فيما حضره ، وينسى ماضيه وما عسى أن يستقبله ، فإذا أنعم الله عليهم بنعمة غرّته فضلّته ، ومنعه البخل والحرص من عمل الخير .
وإنه على ذلك لشهيد . وإن أعماله كلها لتشهد بذلك ، وإنه ليعترف بذلك بينه وبين نفسه ، أو إن الله على كنوده لشاهد على سبيل الوعيد .
وإنه لحبّ الخير لشديد . وإن الإنسان بسبب حبه للمال وتعلقه بجمعه وادخاره لبخيل شديد في بخله ، ممسك مبالغ في إمساكه ، متشدد فيه .
ومن ثم تجيء اللفتة الأخيرة في السورة لعلاج الكنود والشح والأثرة ، مع عرض مشهد من مشاهد الآخرة .
9-11- أفلا يعلم إذا بعثر ما في القبور* وحصّل ما في الصدور* إن ربهم بهم يومئذ لخبير .
وهو مشهد عنيف مثير : بعثرة لما في القبور ، بعثرة بهذا اللفظ العنيف المثير ، وتحصيل لأسرار الصدور التي ضنت بها وخبأتها بعيدا عن العيون ، تحصيل بهذا اللفظ القاسي ، ومفعول الفعل : يعلم . محذوف لتذهب النفس في تخيله كل مذهب .
أي : أفلا يعلم الكنود الحريص ما يكون حاله في الآخرة يوم تكشف السرائر ؟ أفلا يعلم ظهور ما كان يخفى من قسوة وتحيل ؟ أفلا يعلم أنه سيحاسب عليه ؟ أفلا يعلم أنه سيوفى جزاء ما كفر بنعمة ربه ؟
وتختم السورة بعدل الجزاء ، وشهادة الخبير ، فتقول : إن ربهم بهم يومئذ لخبير .
فالمرجع إلى ربهم ، وإنه لخبير بهم يومئذ . وبأحوالهم وبأسرارهم ، والله خبير بهم في كل وقت وفي كل حال ، وإنما خص هذا اليوم بذلك لأن هذه الخبرة يعقبها الحساب والجزاء .
كما قال تعالى : سنكتب ما قالوا . . . ( آل عمران : 181 ) . مع أن كتابة أقوالهم حاصلة فعلا ، والمراد سنجازيهم بما قالوا جزاء يستحقونه .
إن السورة قطعة رائعة لعرض سلوك الإنسان ، والوصول به إلى مرحلة الجزاء ، في أسلوب قوي آسر معنى ولفظا ، على طريقة القرآن المبين .
1- القسم بخيل الغزاة والمجاهدين .
2- بيان حال الإنسان إذا خلا قلبه من الإيمان .
{ والعاديات ضبحا 1 فالموريات قدحا 2 فالمغيرات صبحا 3 فأثرن به نقعا 4 فوسطن به جمعا 5 إن الإنسان لربه لكنود 6 وإنه على ذلك لشهيد 7 وإنه لحبّ الخير لشديد 8 أفلا يعلم إذا بعثر ما في القبور 9 وحصّل ما في الصدور 10 إن ربهم يومئذ لخبير 11 }
العاديات : الخيل التي تعدو مسرعة .
الضبح : صوت أنفاس الخيل حين الجري .
أقسم الله تعالى بالخيل التي تخرج للجهاد في سبيل الله ، ولها صوت وحمحمة ، وهو الضبح .
قال ابن عباس : الخيل إذا عدت قالت : أح أح ، فذلك ضبحها .
وقال أبو السعود : أقسم سبحانه بخيل الغزاة التي تعدو نحو العدوّ ، وتضبح ضبحا ، وهو الصوت أنفاسها عند عدوها .
{ والعاديات ضبحا } أقسم الله تعالى بخيل الغزاة في سبيل الله تعالى ؛ تنبيها على فضلها وفضل رباطها ، ولما فيها من المنافع الدينية والدنيوية ، والأجر والغنيمة . ووصفها بثلاث صفات فقال : { والعاديات ضبحا } أي والخيل التي تبدون في سبيل الله نحو العدو وهي تضبح ؛ وضبحها صوت أنفاسها عند عدوها أو حمحمتها . و " ضبحا " مصدر منصوب بفعله المقدر ؛ أي يضبحن ضبحا .
{ والعاديات ضبحاً } قال ابن عباس ، وعطاء ومجاهد ، وعكرمة ، والحسن ، والكلبي ، وقتادة ، ومقاتل ، وأبو العالية وغيرهم : هي الخيل العادية في سبيل الله تضبح ، والضبح : صوت أجوافها إذا عدت . قال ابن عباس : وليس شيء من الحيوانات تضبح غير الفرس والكلب والثعلب ، وإنما تضبح هذه الحيوانات إذا تغير حالها من تعب أو فزع ، وهو من قول العرب : ضبحته النار ، إذا غيرت لونه . وقوله : { ضبحاً } نصب على المصدر ، مجازه : والعاديات تضبح ضبحاً . وقال علي : هي الإبل في الحج ، تعدو من عرفة إلى المزدلفة ، ومن المزدلفة إلى منىً ، وقال : كانت أول غزوة في الإسلام بدراً ، وما كان معنا إلا فرسان : فرس للزبير وفرس للمقداد بن الأسود ، فكيف تكون الخيل العاديات ؟ وإلى هذا ذهب ابن مسعود ، ومحمد بن كعب ، والسدي . وقال بعض من قال : هي الإبل ، قوله { ضبحاً } يعني ضباحاً ، تمد أعناقها في السير .
لما ختم الزلزلة بالجزاء لأعمال الشر يوم الفصل ، افتتح هذه ببيان ما يجر إلى تلك الأعمال من الطبع ، وما ينجر إليه ذلك الطبع مما يتخيله من النفع ، موبخاً من لا يستعد لذلك اليوم بالاحتراز التام من تلك الأعمال ، معنفاً من أثر دنياه على أخراه ، مقسماً بما لا يكون إلا عند أهل النعم الكبار الموجبة للشكر ، فمن غلب عليه الروح شكر ، ومن غلب عليه الطبع - وهم الأكثر - كفر ، فقال : { والعاديات } أي الدواب التي من شأنها أن تجري بغاية السرعة ، وهي الخيل التي ظهورها عز ، وبطونها كنز ، وهي لرجل وزر ، ولرجل أجر ، فمن فاخر بها ، ونادى بها أهل الإسلام ، وأبطره عزها حتى قطع الطريق ، وأخاف الرفيق ، كانت له شراً ، ومن جعلها في سبيل الله كانت له أجراً ، ومن حمل عليها ولم ينس حق الله في رقابها وظهورها كانت له ستراً ، وإنما أقسم بها ليتأمل ما فيها من الأسرار الكبار التي باينت به أمثالها من الدواب كالثور مثلاً والحمار ، ليعلم أن الذي خصها بذلك فاعل مختار واحد قهار ، فالقسم في الحقيقة به سبحانه .
ولما كانت دالة على الضابحات بالالتزام ، قال ناصباً به أو ب " تضبح " مقدراً : { ضبحاً * } والضبح صوت جهير من أفواهها عند العدو الشديد ، ليس بصهيل ولا حمحمة ولا رغاء ، وهو من النفس ، وليس شيء من الدواب يضبح غير الفرس والكلب والثعلب ، وأصله للثعلب ، واستيعر للخيل ، وحكاه ابن عباس رضي الله عنهما فقال : أح أح ، أو الضبح عدو دون التقريب .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.