تفسير القرآن الكريم لعبد الله شحاته - شحاته [إخفاء]  
{إِنَّ ٱللَّهَ عِندَهُۥ عِلۡمُ ٱلسَّاعَةِ وَيُنَزِّلُ ٱلۡغَيۡثَ وَيَعۡلَمُ مَا فِي ٱلۡأَرۡحَامِۖ وَمَا تَدۡرِي نَفۡسٞ مَّاذَا تَكۡسِبُ غَدٗاۖ وَمَا تَدۡرِي نَفۡسُۢ بِأَيِّ أَرۡضٖ تَمُوتُۚ إِنَّ ٱللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرُۢ} (34)

29

{ إن الله عنده علم الساعة وينزل الغيث ويعلم ما في الأرحام وما تدري نفس ماذا تكسب غدا وما تدري نفس بأي أرض تموت إن الله عليم خبير . }

المفردات :

الساعة : القيامة .

الغيث : المطر .

ما في الأرحام : ما في أرحام النساء من صفاته وأحواله ومستقبله وعمره ورزقه وشقى أو سعيد .

وما تدري : وما تعلم .

التفسير :

هذه الآية ختام سورة لقمان وتعرض جانبا من مظاهر علم الله تعالى فهو سبحانه علام الغيوب وتذكر الآية خمسة أمور :

1- إن الله عنده علم الساعة : فهو سبحانه المستأثر بمعرفة يوم القيامة لا يعلم ذلك ملك مقرب ولا نبي مرسل ، لا يجليها لوقتها إلا هو ثقلت في السموات والأرض لا تأتيكم إلا بغتة . . . . ( الأعراف : 187 ) .

ولعل حكمة ذلك أن يظل الإنسان مترقبا الموت ، فقد يأتي فجأة في ليل أو نهار وفي الأثر : من مات فقد قامت قيامته .

2- وينزل الغيث : فهو سبحانه الذي يرسل المطر في وقته بلا تقديم ولا تأخير وفي بلد لا يتجاوزه إلى غيره وبمقدار تقتضيه حكمته .

3- ويعلم ما في الأرحام : فهو سبحانه العليم بكل ما يتصل بهذا الجنين من رزق وعمر وهداية أو ضلال وإن علم الإنسان ما يتصل بنوع الجنين من ذكورة أو أنوثة فإنه لا يعلم شيئا عن مستقبله وأجله ورزقه وشقاوته أو سعادته .

4- وما تدري نفس ماذا تكسب غدا لا يعلم الإنسان ماذا يكسب غدا من خير أو شر ومن نفع أو ضر ومن يسر أو عسر ومن صحة ، أو مرض ومن طاعة أو معصية كل ذلك في أمر الغيب يعلمه علام الغيوب وحده ، وشاءت حكمته أن يخفى ذلك ليستمر تعلق الإنسان بربه ودعاؤه له وصلاته فهو سبحانه يقول : ادعوني أستجب لكم . . . . ( غافر : 6 ) .

5- وما تدري نفس بأي أرض تموت أي لا يدري أحد اين مضجعه من الأرض أفي بحر أم في بر أم في سهل أم في جبل .

{ إن الله عليم خبير } .

هو سبحانه عالم الغيب مطلع على الظاهر والباطن محيط علمه بكل كبيرة وصغيرة ، خبير بخفايا النفوس وبواطنها وظواهرها .

قال تعالى : { وعنده مفاتح الغيب لا يعلمها إلا هو ويعلم ما في البر والبحر وما تسقط من ورقة إلا يعلمها ولا حبة في ظلمات الأرض ولا رطب ولا يابس إلا في كتاب مبين } . ( الأنعام : 59 ) .

فهذا العلم الشامل لكل ما في الغيب وللبر والبحر وللأشجار والأوراق وللورقة الساقطة من فوق الشجر ولكل حبة في ظلمات الأرض وللأرض اليابسة والأرض التي غمرتها المياه كل ذلك مسجل في علم الله الذي لا يحول دونه حائل من ليل أو نهار أو أرض أو سماء أو غائب أو شاهد إن الله عليم خبير .

روى البخاري ومسلم عن ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال " مفاتح الغيب خمس إن الله عنده علم الساعة وينزل الغيث ويعلم ما في الأرحام وما تدري نفس ماذا تكسب غدا وما تدري نفس بأي أرض تموت إن الله عليم خبير " . xiv

وأخرج ابن المنذر عن عكرمة أن رجلا يقال له الوارث بن عمرو بن حارثة جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال : يا محمد متى قيام الساعة ؟ وقد أجدبت بلادنا فمتى تخصب ؟ وقد تركت امرأتي حبلى فما تلد ؟ وقد علمت ما كسبت اليوم فماذا أكسب غدا ؟ وقد علمت بأي أرض ولدت فبأي أرض أموت ؟ فنزلت الآية : إن الله عنده علم الساعة وينزل الغيث ويعلم ما في الأرحام وما تدري نفس ماذا تكسب غدا وما تدري نفس بأي أرض تموت إن الله عليم خبير .

وصل اللهم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم .

ختام السورة:

***

خلاصة ما اشتملت عليه سورة لقمان :

1- القرآن هداية ورحمة للمؤمنين .

2- قصص من ضل عن سبيل الله بغير علم واتخذ آيات الله هزؤا .

3- وصف العالم العلوي والعالم السفلي وما فيهما من العجائب الدالة على وحدانية الله .

4- قصص لقمان وإيتاؤه الحكمة ثم نصائحه لابنه .

5- النعي على المشركين في ركونهم إلى التقليد إذا دعوا إلى النظر في الكون و عبادة الله .

6- تعجب الرسول من المشركين حيث يقرون بأن الله هو الخالق لكل شيء ثم هم يعبدون معه غيره ممن هو مخلوق مثلهم .

7- نعم الله ومخلوقاته لا حصر لها .

8- المر بالنظر إلى الكون وعجائبه لنسترشد بذلك إلى وحدانية الصانع .

9- الأمر بالخوف من عقاب الله يوم لا يجزى والد عن ولده .

10- مفاتيح الغيب الخمسة التي استأثر الله بعلمها .

11- إحاطة علمه تعالى بجميع الكائنات ظاهرها وباطنها .

i انظر تفسير القرآن للشيخ عز الدين بن عبد السلام ( 578-660ه ) اختصار النكث للما وردي ( 364-450ه ) تحقيق د . عبد الله بن إبراهيم الوهيبي طبع ونشر المحقق السعودية الإحساء ص . ب . 1730 هاتف 5820411 ، قال المحقق راجع فتح الباري ( 2/440- العيدين 9/202- النكاح 10/51- الأشربة ) وصحيح مسلم ( 2/607- صلاة العيدين-4 ) والمحلى لابن حزم ( 5/92 )أه . وقد ذكر علماؤنا أن الشعر كلام حسنه حسن وقبيحه قبيح ، ويمكن أن يقاس عليه الغناء فالحسن منه والقليل منه في أيام الأعياد والزواج عند الأعمال الشاقة حسن ولهو مباح ، وما كان فيه ميوعة أو تخنث أو إغراء بالمحرم فحرام .

ii دخل أبو بكر وعندي جاريتان من جواري الأنصار :

رواه البخاري في الجمعة ( 952 ) وفي المناقب ( 3931 ) ومسلم في المناقب ( 892 ) والنسائي في العيدين ( 1593 ) وابن ماجة في النكاح ( 1898 ) وأحمد في مسنده ( 23529-24161-24431 ) من حديث عائشة رضي الله عنها قالت : دخل أبو بكر وعندي جاريتان من جواري الأنصار تغنيان بما تقاولت الأنصار يوم بعاث قالت : وليستا بمغنيتين فقال أبو بكر أمزامير الشيطان في بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم وذلك في يوم عيد فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم " يا أبا بكر أن لكل قوم عيدا وهذا عيدنا " .

iii آتيناكم آتيناكم فحيانا وحياكم :

رواه ابن ماجة في النكاح( 1900 ) واحمد في مسنده ( 14778 ) من حديث ابن عباس قال : أنكحت عائشة ذات قرابة لها من الأنصار فجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : " أهديتم الفتاة " ؟ قالوا : نعم فال : " أرسلتم معها من يغني " ؟ قالت : لا فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم " إن الأنصار قوم فيهم غزل فلو بعثتم معها من يقول أتيناكم آتيناكم فحيانا وحياكم " . .

iv التفسير الوسيط بإشراف مجمع البحوث الإسلامية بالأزهر الحزب الحادي والأربعون ص 82-83 وبهامشه ما يأتي : في السنن الكبرى للبيهقي ج 7 ص 289 أن عمرة بنت عبد الرحمن قالت : كانت النساء إذا تزوجت المرأة أو الرجل خرج جواري الأنصار يغنين ويلعبن فمروا في مجلس فيه رسول الله وهن يغنين ويقلن :

أهدى لها زوجها أكبشا يبحبحن في المريد

وزوجها في النادي يعلم ما في غد

فقال سبحان الله لا يعلم ما في غد إلا الله لا تقولوا هكذا و قولوا آتيناكم آتيناكم فحيانا وحياكم .

قال البيهقي هذا مرسل جيد هامش جمع الجوامع ص 2338 العدد 19 من الجزء الثاني تفسير القرآن العظيم إسماعيل ابن كثير تحقيق سامي بن محمد السلامة دار طبعة النشر والتوزيع السعودية الرياض ج 6 ص 332 .

v تفسير روح البيان للشيخ إسماعيل حقي البر سوي دار إحياء التراث العربي بيروت لبنان مجلد 7 ص 71 .

vi تفسير ابن كثير تحقيق سامي بن محمد السلامة دار طيبة السعودية الرياض 6/333 .

vii أبنا لم يظلم :

رواه البخاري في الإيمان ( 32 ) وفي أحاديث الأنبياء ( 3360-3428-3429 ) وفي التفسير ( 4629-4776 ) وفي استتابة المرتدين ( 6918-6937 ) ومسلم في الإيمان ( 124 ) والترمذي في تفسير القرآن ( 3067 ) واحمد في مسنده ( 3578-4228 ) عن حديث عبد الله قال لما نزلت : الذين آمنوا ولم يلبسوا إيمانهم بظلم . . . قال أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم أينا لم يظلم فأنزل الله عز وجل : إن الشرك لظلم عظيم .

viii أي الذنب اعظم عند الله قال أن تجعل لله ندا :

رواه البخاري في تفسير القرآن ( 4477 ) ومسلم في الإيمان ( 86 ) من حديث عبد الله بن مسعود قال : سألت النبي صلى الله عليه وسلم أي الذنب أعظم عند الله ؟ قال : " أن تجعل لله ندا وهو خلقك " قلت : إن ذلك لعظيم قلت : ثم أي ؟ قال " أن تقتل ولدك تخاف أن يطعم معك " قلت : ثم أي ؟ قال : " أن تزاني حليلة جارك " .

ix جامع البيان في تأويل آي القرآن تأليف أبي جعفر محمد بن جرير الطبري المتوفى سنة 310ه21/ 70 ، مطبعة مصطفى البابي الحلبي 1968 م .

x إذا سمعتم صياح الديكة : رواه البخاري في بدء الخلق ( 3303 ) ومسلم في الذكر ( 2729 ) وأبو داود في الأدب ( 5102 ) والترمذي في الدعوات ( 3459 ) وأحمد في مسنده ( 8003 ) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " إذا سمعتم صياح الديكة فاسألوا الله من فضله فإنها رأت ملكا ، وإذا سمعتم نهيق الحمار فتعوذوا بالله من الشيطان فإنه رأى شيطانا " .

xi إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق :

رواه أحمد في مسنده ( 8595 ) من حديث أبي هريرة .

xii إن من أحبكم إلب وأقربكم مني مجلسا يوم القيامة :

رواه الترمذي في البر ( 2018 ) من حديث جابر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قالا : " إن من أحبكم إلي وأقربكم مني مجلسا يوم القيامة أحاسنكم أخلاقا وإن أبغضكم إلي وأبعدكم مني مجلسا يوم القيامة الثرثارون والمتشدقون والمتفيهفون قالوا يا رسول الله قد علمنا الثرثارون والمتشدقون ، فما المتفيهفون ؟ قال : المتكبرون وقال الترمذي حديث غريب ورواه أحمد في مسنده ( 17278 ) من حديث أبي ثعلبة الخشني قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " إن أحبكم إلي وأقربكم مني في الآخرة محاسنكم أخلاقا وإن أبغضكم إلي وأبعدكم مني في الآخرة مساويكم أخلاقا الثرثارون المتفيقهون المتشدقون " ورواه أحمد في مسنده ( 8604 ) من حديث أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " ألا أنبئكم بشراركم فقال " هم الثرثارون المتشدقون ألا أنبئكم بخياركم أحاسنكم أخلاقا " .

xiii يؤتى بأنعم أهل الدنيا من أهل النار :

رواه مسلم في صفة القيامة ( 3807 ) وأحمد في مسنده ( 12699 ) من حديث أنس بن مالك قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " يؤتى بأنعم أهل الدنيا من أهل النار يوم القيامة فيصبغ في النار صبغة ثم يقال يا ابن آدم هل رأيت خيرا قط ؟ هل مر بك نعيم قط ؟ فيقول : لا والله يا رب ، ويؤتى بأشد الناس بؤسا في الدنيا من أهل الجنة فيصبغ صبغة في الجنة فيقال له : يا ابن آدم هل رأيت بؤسا قط ؟ هل مر بك شدة قط ؟ فيقول : لا والله يا رب ما مر بي بؤس قط ولا رأيت شدة قط " .

xiv مفاتيح الغيب خمس لا يعلمها إلا الله :

رواه البخاري في تفسير القرآن ( 4627-4697-4778 ) وفي التوحيد ( 7379 ) واحمد في مسنده ( 4752 ) من حديث ابن عمر رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " مفاتيح الغيب خمس لا يعلمها إلا الله لا يعلم ما تفيض الأرحام إلا الله ولا يعلم ما في غد إلا الله ولا يعلم متى يأتي المطر أحد إلا الله ولا تدري نفس بأي أرض تموت إلا الله ولا يعلم متى تقوم الساعة إلا الله " .

 
الجامع التاريخي لبيان القرآن الكريم - مركز مبدع [إخفاء]  
{إِنَّ ٱللَّهَ عِندَهُۥ عِلۡمُ ٱلسَّاعَةِ وَيُنَزِّلُ ٱلۡغَيۡثَ وَيَعۡلَمُ مَا فِي ٱلۡأَرۡحَامِۖ وَمَا تَدۡرِي نَفۡسٞ مَّاذَا تَكۡسِبُ غَدٗاۖ وَمَا تَدۡرِي نَفۡسُۢ بِأَيِّ أَرۡضٖ تَمُوتُۚ إِنَّ ٱللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرُۢ} (34)

جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :

يقول تعالى ذكره:"يا أيّها النّاسُ اتّقُوا رَبّكُمْ، وَاخْشَوْا يَوْما لا يَجْزِي وَالدٌ عَنْ وَلَدِهِ، وَلا مَوْلُودٌ هُوَ جازٍ عَنْ وَالِدِهِ شَيْئا" هو آتيكم علم إتيانه إياكم عند ربكم، لا يعلم أحد متى هو جائيكم، لا يأتيكم إلاّ بغتة، فاتقوه أن يفجأكم بغتة، وأنتم على ضلالتكم لم تنيبوا منها، فتصيروا من عذاب الله وعقابه إلى ما لا قِبل لكم به وابتدأ تعالى ذكره الخبر عن علمه بمجيء الساعة. والمعنى: ما ذكرت لدلالة الكلام على المراد منه، فقال: "إنّ اللّهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السّاعَةِ "التي تقوم فيها القيامة، لا يعلم ذلك أحد غيره، "وينزّلُ الغَيْثَ" من السماء، لا يقدر على ذلك أحد غيره،

"وَيَعْلَمُ ما في الأرْحامِ" أرحام الإناث،

"وَما تَدْرِي نَفْسٌ ماذَا تَكْسِبُ غَدا" يقول: وما تعلم نفس حيّ ماذا تعمل في غد، "وَما تَدْرِي نَفْسٌ بأيّ أرْض تَمُوتُ" يقول: وما تعلم نفس حيّ بأيّ أرض تكون منيتها. "إنّ اللّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ" يقول: إن الذي يعلم ذلك كله، هو الله دون كلّ أحد سواه، إنه ذو علم بكلّ شيء، لا يخفى عليه شيء، خبير بما هو كائن، وما قد كان... حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: ثني عمرو بن محمد، عن أبيه، عن عبد الله بن عمرو أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «مَفاتِحُ الغَيْبِ خَمْسَةٌ، ثم قرأ هؤلاء الآيات "إنّ اللّهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السّاعَةِ..." إلى آخرها.

تأويلات أهل السنة للماتريدي 333 هـ :

... ويحتمل أن يكون قوله: {إن الله عنده علم الساعة} أي عنده علم بماهية الساعة وأهوالها ولم يذكر ماهيتها وحدها وقدرها، فأخبر أنه يعلم هو ذلك.

{ويعلم ما في الأرحام} من انتقال النطفة إلى العلقة وانتقال العلقة إلى المضغة وتحول ما في الرحم من حال إلى حال أخرى وقدر زيادة ما فيه في كل وقت وفي كل ساعة ونحو ذلك لا يعلمه إلا الله.

{وما تدري نفس ماذا تكسب غدا وما تدري نفس بأي أرض تموت} جائز أن يكون كتم ذلك، وأخفاه، ليكونوا في كل حال على حذر وخوف وعلى يقظة، إذ لو كان أطلعهم على ذلك لكانوا آمنين إلى ذلك الوقت، فيعلمون بكل ما يريدون ويشاؤون. فيكون في ذلك ارتفاع المحنة، فليس ذلك عليهم ليكونوا أبدا في كل وقت وكل حال على حذر وخوف ويقظة، والله أعلم.

التبيان في تفسير القرآن للطوسي 460 هـ :

إن هذه الخمسة أشياء مما لا يعلمها غيره تعالى على التفصيل والتحقيق. "إن الله عليم "بتفصيل ذلك "خبير" به لا يخفي عليه شيء من ذلك.

الكشاف عن حقائق التنزيل للزمخشري 538 هـ :

وعن ابن عباس رضي الله عنهما: من ادعى علم هذه الخمسة فقد كذب، إياكم والكهانة فإن الكهانة تدعو إلى الشرك والشرك وأهله في النار.

وجعل العلم لله والدراية للعبد، لما في الدراية من معنى الختل والحيلة. والمعنى: أنها لا تعرف -وإن أعملت حيلها- ما يلصق بها ويختص ولا يتخطاها، ولا شيء أخص بالإنسان من كسبه وعاقبته، فإذا لم يكن له طريق إلى معرفتهما، كان من معرفة ما عداهما أبعد.

المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية 542 هـ :

وقال ابن مسعود: كل شيء أوتي نبيكم إلا مفاتيح الخمس ثم تلا الآية و {علم الساعة} مصدر مضاف إلى المفعول، أي كل ما شأنه أن يعلم من أمر الساعة ولكن الذي استأثر الله تعالى به هو علم الوقت وغير ذلك قد أعلم ببعض منه.

البحر المحيط لأبي حيان الأندلسي 745 هـ :

وعلم: مصدر أضيف إلى الساعة، والمعنى: علم يقين ووقع الإخبار بأن الله استأثر بعلمه هذه الخمس، لأنها جواب لسائل سأل، وهو يستأثر بعلم أشياء لا يحصيها إلا هو.

نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي 885 هـ :

ولما كان من الأمر الواضح أن لسان حالهم بعد السؤال عن تحقق ذلك اليوم يسأل عن وقته كما مضى في غير آية، ويأتي في آخر التي بعدها، إما تعنتاً واستهزاء وإما حقيقة، أجاب عن ذلك ضاماً إليه أخواته من مفاتيح الغيب، لما في ذلك من الحكمة التي سيقت لها السورة، مرتباً لها على الأبعد فالأبعد عن علم الخلق.

إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم لأبي السعود 982 هـ :

{وَيُنَزّلُ الغيث} في إبَّانهِ الذي قدَّره وإلى محلِّهِ الذي عيَّنه في علمِه {إِنَّ الله عَلِيمٌ} مبالغٌ في العلمِ فلا يعزبُ عن علمِه شيءٌ من الأشياءِ التي من جُملتِها ما ذُكر.

تفسير القرآن للمراغي 1371 هـ :

{وينزل الغيث} في وقته المقدر له، ومكانه المعين في علمه تعالى، والفلكيون وإن علموا الخسوف والكسوف، ونزول الأمطار بالأدلة الحسابية، فليس ذلك غيبا، بل بأمارات وأدلة تدخل في مقدور الإنسان، ولاسيما أن بعضها قد يكون أحيانا في مرتبة الظن، لا في مرتبة اليقين.

التحرير والتنوير لابن عاشور 1393 هـ :

... معنى حصر مفاتح الغيب في هذه الخمسة: أنها هي الأمور المغيّبة المتعلقة بأحوال الناس في هذا العالم، وأن التعبير عنها بالمفاتح أنها تكون مجهولة للناس فإذا وقعت فكأنَّ وقوعها فَتح لما كان مغلقاً.

وأما بقية أحوال الناس فخفاؤها عنهم متفاوت ويمكن لبعضهم تعيينها مثل تعيين يوم كذا للزفاف ويوم كذا للغزو وهكذا مواقيت العبادات والأعياد، وكذلك مقارنات الأزمنة مثل: يوم كذا مدخل الربيع؛ فلا تجد مغيبات لا قِبَل لأحد بمعرفة وقوعها من أحوال الناس في هذا العالم غير هذه الخمسة، فأما في العَوالم الأخرى وفي الحياة الآخرة فالمغيبات عن علم الناس كثيرة وليست لها مفاتح عِلم في هذا العالم.

التيسير في أحاديث التفسير للمكي الناصري 1415 هـ :

{ما في الأرحام}، لا يخص أرحام النساء وحدهن، بل يشمل أرحام الحوامل من كل الإناث، سواء في ذلك إناث الإنسان وإناث غيره من الحيوان، فعلم الله تعالى محيط شامل، وإحصاؤه لخلقه إحصاء كامل، مصداقا لقوله تعالى في آية أخرى: {الله يعلم ما تحمل كل أنثى وما تغيض الأرحام وما تزداد، وكل شيء عنده بمقدار} (8: 13)، وصدق الله العظيم إذ قال (32: 53): {هو أعلم بكم إذ أنشأكم من الأرض، وإذ أنتم أجنة في بطون أمهاتكم}.

ختام السورة:

في ظلال القرآن لسيد قطب 1387 هـ :

وهكذا تنتهي السورة، كما لو كانت رحلة هائلة بعيدة الآماد والآفاق والأغوار والأبعاد. ويؤوب القلب من هذه الرحلة المديدة البعيدة، الشاملة الشاسعة، وئيد الخطى لكثرة ما طوف، ولجسامة ما يحمل، ولطول ما تدبر وما تفكر، في تلك العوالم والمشاهد والحيوات! وهي بعد سورة لا تتجاوز الأربع والثلاثين آية. فتبارك الله خالق القلوب، ومنزل هذا القرآن شفاء لما في الصدور، وهدى ورحمة للمؤمنين..

 
الوجيز في تفسير الكتاب العزيز للواحدي - الواحدي [إخفاء]  
{إِنَّ ٱللَّهَ عِندَهُۥ عِلۡمُ ٱلسَّاعَةِ وَيُنَزِّلُ ٱلۡغَيۡثَ وَيَعۡلَمُ مَا فِي ٱلۡأَرۡحَامِۖ وَمَا تَدۡرِي نَفۡسٞ مَّاذَا تَكۡسِبُ غَدٗاۖ وَمَا تَدۡرِي نَفۡسُۢ بِأَيِّ أَرۡضٖ تَمُوتُۚ إِنَّ ٱللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرُۢ} (34)

{ إن الله عنده علم الساعة } متى تقوم { وينزل الغيث } المطر { ويعلم ما في الأرحام } ذكرا أو أنثى