تفسير القرآن الكريم لعبد الله شحاته - شحاته [إخفاء]  
{أَفَمَن زُيِّنَ لَهُۥ سُوٓءُ عَمَلِهِۦ فَرَءَاهُ حَسَنٗاۖ فَإِنَّ ٱللَّهَ يُضِلُّ مَن يَشَآءُ وَيَهۡدِي مَن يَشَآءُۖ فَلَا تَذۡهَبۡ نَفۡسُكَ عَلَيۡهِمۡ حَسَرَٰتٍۚ إِنَّ ٱللَّهَ عَلِيمُۢ بِمَا يَصۡنَعُونَ} (8)

5

{ أفمن زين له سوء عمله فرآه حسنا فإن الله يضل من يشاء ويهدي من يشاء فلا تذهب نفسك عليهم حسرات إن الله عليم بما يصنعون }

المفردات :

زين له سوء عمله : حسنت له نفسه وشيطانه عمله السيئ .

فرآه حسنا : رآه حسنا لا قبح فيه .

فلا تذهب نفسك : فلا تهلك نفسك .

عليهم حسرات : تحسرا عليهم لكفرهم .

التفسير :

هذا هو مفتاح الشر في الحياة أن يزين الشيطان للإنسان عمله القبيح فلا يستمع إلى نصيحة ولا يراجع نفسه ولا يحاسبها على أمر بل يسير معجبا بنفسه قد تملكه الغرور أهذا المغرور المعجب بنفسه المرتكب للآثام مع اعتقاد أنه الأفضل والأحسن كمن استقبح الكفر واختار الإيمان والعمل الصالح ؟ كلا لا يستويان والمراد بمن زين له سوء عمله : كفار مكة .

وقد ورد في سبب نزول هذه الآية عن جوبير عن الضحاك عن ابن عباس : أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " اللهم أعز الإسلام بعمر بن الخطاب أو بأبي جهل بن هشام فهدى الله عمر بن الخطاب وأضل أبا جهل ففيهما نزلت : { فإن الله يضل من يشاء ويهدي من يشاء . . . }

إن قلوب العباد بين أصبعين من أصابع الرحمان يقلبها كيف يشاء فمنهم من يمنحه الهدى والتوفيق ونفاذ البصيرة ، واختيار الإيمان ومنهم من يؤثر الضلالة والجحود والكنود ، فيتركه الله مخذولا شاردا في الضلال ممعنا في الكفر فلا تغنم بكفرهم ولا تهلك نفسك حزنا على ضلالهم فالله مطلع وشاهد على أعمالهم وسوف يجازيهم بما يستحقون .

ويشبه بهذه الآية قوله تعالى : لعلك باخع نفسك ألا يكونوا مؤمنين . ( الشعراء : 3 ) .

وقوله تعالى : فلعلك باخع نفسك علي ءاثارهم إن لم يؤمنوا بهذا الحديث أسفا . ( الكهف : 6 ) .

***

 
تيسير التفسير لإبراهيم القطان - إبراهيم القطان [إخفاء]  
{أَفَمَن زُيِّنَ لَهُۥ سُوٓءُ عَمَلِهِۦ فَرَءَاهُ حَسَنٗاۖ فَإِنَّ ٱللَّهَ يُضِلُّ مَن يَشَآءُ وَيَهۡدِي مَن يَشَآءُۖ فَلَا تَذۡهَبۡ نَفۡسُكَ عَلَيۡهِمۡ حَسَرَٰتٍۚ إِنَّ ٱللَّهَ عَلِيمُۢ بِمَا يَصۡنَعُونَ} (8)

ثم بيّن البعدَ بين الفريقين : الضالين والمهتدين ، واختلاف حالهم ، فقال : { أَفَمَن زُيِّنَ لَهُ سواء عَمَلِهِ فَرَآهُ حَسَناً } :

أفمن زين له الشيطان عمله السيئ فرآه حسنا ، هو في الواقع كمن هداه الله فرأى الحسنَ حسنا والسيئ سيئا ؟ إنهما لا يستويان أبدا .

{ فَإِنَّ الله يُضِلُّ مَن يَشَآءُ وَيَهْدِي مَن يَشَآءُ } : يضلّ من يشاء من الجاحدين الذين ارتضوا سبيل الضلال ، ويهدي من يشاء ممن اختاروا سبيل الهداية .

ثم يخاطب الرسولَ الكريم حتى يسليه ، فيقول : { فَلاَ تَذْهَبْ نَفْسُكَ عَلَيْهِمْ حَسَرَاتٍ إِنَّ الله عَلِيمٌ بِمَا يَصْنَعُونَ } : فلا تُهلك نفسَك حزناً على الضالين الذين لم يؤمنوا وحسرةً عليهم ، إن الله محيط علمه بما يصنعون من شر فيجزيهم به .

 
الجامع لأحكام القرآن للقرطبي - القرطبي [إخفاء]  
{أَفَمَن زُيِّنَ لَهُۥ سُوٓءُ عَمَلِهِۦ فَرَءَاهُ حَسَنٗاۖ فَإِنَّ ٱللَّهَ يُضِلُّ مَن يَشَآءُ وَيَهۡدِي مَن يَشَآءُۖ فَلَا تَذۡهَبۡ نَفۡسُكَ عَلَيۡهِمۡ حَسَرَٰتٍۚ إِنَّ ٱللَّهَ عَلِيمُۢ بِمَا يَصۡنَعُونَ} (8)

قوله تعالى : " أفمن زين له سوء عمله فرآه حسنا فإن الله يضل من يشاء ويهدي من يشاء " " من " في موضع رفع بالابتداء ، وخبره محذوف . قال الكسائي : والذي يدل عليه قوله تعالى : " فلا تذهب نفسك عليهم حسرات " فالمعنى : أفمن زين له سوء عمله فرآه حسنا ذهبت نفسك عليهم حسرات . قال : وهذا كلام عربي طريف لا يعرفه إلا قليل . وذكره الزمخشري عن الزجاج . قال النحاس : والذي قال الكسائي أحسن ما قيل في الآية ، لما ذكره من الدلالة على المحذوف ، والمعنى أن الله جل وعز نهى نبيه عن شدة الاغتمام بهم والحزن عليهم ، كما قال جل وعز : " فلعلك باخع نفسك " {[13104]} [ الكهف : 6 ] قال أهل التفسير : قاتل . قال نصر ابن علي : سألت الأصمعي عن قول النبي صلى الله عليه وسلم في أهل اليمن : ( هم أرق قلوبا وأبخع طاعة ) ما معنى أبخع ؟ فقال : أنصح . فقلت له : إن أهل التفسير مجاهدا وغيره يقولون في قول الله عز وجل : " لعلك باخع نفسك " : معناه قاتل نفسك . فقال : هو من ذاك بعينه ، كأنه من شدة النصح لهم قاتل نفسه . وقال الحسين بن الفضل : فيه تقديم وتأخير ، مجازه : أفمن زين له سوء عمله فرآه حسنا ، فلا تذهب نفسك عليهم حسرات ، فإن الله يضل من يشاء ويهدي من يشاء . وقيل : الجواب محذوف ، المعنى أفمن زين له سوء عمله كمن هدي ، ويكون يدل على هذا المحذوف " فإن الله يضل من يشاء ويهدي من يشاء " . وقرأ يزيد بن القعقاع : " فلا تذهب نفسك " وفي " أفمن زين له سوء عمله " أربعة أقوال ، أحدها : أنهم اليهود والنصارى والمجوس . قاله أبو قلابة . ويكون " سوء عمله " معاندة الرسول عليه الصلاة والسلام . الثاني : أنهم الخوارج . رواه عمر بن القاسم . يكون " سوء عمله " تحريف التأويل . الثالث : الشيطان . قاله الحسن . ويكون " سوء عمله " الإغواء . الرابع : كفار قريش . قاله الكلبي . ويكون " سوء عمله " الشرك . وقال : إنها نزلت في العاص بن وائل السهمي والأسود بن المطلب . وقال غيره : نزلت في أبي جهل بن هشام . " فرآه حسنا " أي صوابا . قاله الكلبي . وقال : جميلا .

قلت : والقول بأن المراد كفار قريش أظهر الأقوال ؛ لقوله تعالى : " ليس عليك هداهم " {[13105]} [ البقرة : 272 ] ، وقوله : " ولا يحزنك الذين يسارعون في الكفر " {[13106]} [ آل عمران : 176 ] ، وقال : " فلعلك باخع نفسك على آثارهم إن لم يؤمنوا بهذا الحديث أسفا " {[13107]} [ الكهف : 6 ] ، وقوله : " لعلك باخع نفسك ألا يكونوا مؤمنين " {[13108]} ، وقوله في هذه الآية : " فلا تذهب نفسك عليهم حسرات " وهذا ظاهر بين ، أي لا ينفع تأسفك على مقامهم على كفرهم ، فإن الله أضلهم . وهذه الآية ترد على القدرية قولهم على ما تقدم ، أي أفمن زين له سوء عمله فرآه حسنا تريد أن تهديه ، وإنما ذلك إلى الله لا إليك ، والذي إليك هو التبليغ . وقرأ أبو جعفر وشيبة وابن محيصن : " فلا تُذهِب " بضم التاء وكسر الهاء " نفسك " نصبا على المفعول ، والمعنيان متقاربان . " حسرات " منصوب مفعول من أجله ؛ أي فلا تذهب نفسك للحسرات . و " عليهم " صلة " تذهب " ، كما تقول : هلك عليه حبا ومات عليه حزنا . وهو بيان للمتحسر عليه . ولا يجوز أن يتعلق بالحسرات ؛ لأن المصدر لا يتقدم عليه صلته . ويجوز أن يكون حالا كأن كلها صارت حسرات لفرط التحسر . كما قال جرير :

مَشَقَ الهواجر لحمَهن مع السُّرى *** حتى ذهبن كَلاَكِلاً وصدورا

يريد : رجعن كلاكلا وصدورا ، أي لم يبق إلا كلاكلها وصدورها . ومنه قول الآخر :

فعلى إثرهم تساقط نفسِي *** حسرات وذكرهم لي سقام

أو مصدرا . { إن الله عليم بما يصنعون }


[13104]:راجع ج 10 ص 353.
[13105]:راجع ج 3 ص 337.
[13106]:راجع ج 4 ص 284.
[13107]:راجع ج 10 ص 353.
[13108]:راجع ج 13 ص 87 فما بعد.