تفسير القرآن الكريم لعبد الله شحاته - شحاته  
{وَلَا جُنَاحَ عَلَيۡكُمۡ فِيمَا عَرَّضۡتُم بِهِۦ مِنۡ خِطۡبَةِ ٱلنِّسَآءِ أَوۡ أَكۡنَنتُمۡ فِيٓ أَنفُسِكُمۡۚ عَلِمَ ٱللَّهُ أَنَّكُمۡ سَتَذۡكُرُونَهُنَّ وَلَٰكِن لَّا تُوَاعِدُوهُنَّ سِرًّا إِلَّآ أَن تَقُولُواْ قَوۡلٗا مَّعۡرُوفٗاۚ وَلَا تَعۡزِمُواْ عُقۡدَةَ ٱلنِّكَاحِ حَتَّىٰ يَبۡلُغَ ٱلۡكِتَٰبُ أَجَلَهُۥۚ وَٱعۡلَمُوٓاْ أَنَّ ٱللَّهَ يَعۡلَمُ مَا فِيٓ أَنفُسِكُمۡ فَٱحۡذَرُوهُۚ وَٱعۡلَمُوٓاْ أَنَّ ٱللَّهَ غَفُورٌ حَلِيمٞ} (235)

التعريض بالخطبة

221

{ ولا جناح عليكم فيما عرضتم به من خطبة النساء أو كننتم في أنفسكم علم الله أنكم ستذكرونهن ولكن لا تواعدوهن سرا إلا أن تقولوا قولا معروفا ولا تعزموا عقدة النكاح حتى يبلغ الكتاب أجله واعلموا أن الله يعلم ما في أنفسكم فاحذروه واعلموا أن الله غفور حليم( 235 ) }

المفردات :

عرضتم : التعريض والتلويح : إيهام المقصود بما لم يوضع له حقيقة أو مجازا كقولك جئت لأسلم عليك تلويحا بأنك جئت لطلب دين أو عطاء ممن تخاطبه .

خطبة النساء : طلبهن للتزوج بهن .

أكننتم : أخفيتم ، يقال كن الشيء في نفسه يكنه ، وأكنه يكنه أي أخفاه وغطاه .

لا تواعدوهن سرا : لا تواعدوهن في العدة زواجا .

ولا تعزموا عقد النكاح : ولا تقصدوا قصدا جازما تنفيذ عقده .

حتى يبلغ الكتاب أجله : أي حتى ينال القرآن ما قرره من الوقت لانقضاء العدة .

المعنى الإجمالي :

ولا إثم عليكم أيها الرجال في مدة العدة إذا لمحتم للمعتدة من وفاة بالزوج ، أو أضمرتم تلك في قلوبكم ، فإن الله يعلم أنكم لا تصبرون عن التحدث في شأنهن لميل الرجال إلى النساء بالفطرة ، ولهذا أباح لكم التلويح دون التصريح ، فلا تعطوهن وعدا بالزواج إلا أن يكون ذلك إشارة لا نكر فيها ولا فحش ، ولا تبرموا عقد الزواج حتى تنقضي العدة ، وأيقنوا أن الله مطلع على ما تخفونه في قلوبكم ، فخافوا عقابه ولا تقدموا على ما نهاكم عنه ولا تيأسوا من رحمته فإن الله غفور حليم ، لا يعجل العقوبة لمن خالف أمره .

التفسير :

{ ولا جناح عليكم فيما عرضتم به من خطبة النساء أو كنتم في أنفسكم علم الله أنكم ستذكرونهن . . . }

تتحدث هذه الآية عن خطبة المرأة في فترة العدة . فأباحت شيئين ونهت عن شيئين :

أباحت التعريض بالخطبة للمرأة أثناء عدتها ، كما أباحت إخفاء هذه الرغبة في الأنفس وحديثها بها .

ونهت هذه المواعدة سرا على الزواج ، لأن العدة فاصل بين عهدين من الحياة إلا من خلال ملام حسن ، أو عدة طيبة لا نكر فيها ولا مخالفة لحدود الله كما نهت عن العزم والتصميم على الزواج وتنفيذه قبل انقضاء العدة .

وهذه الآية أدب إلهي كريم ، فالمرأة المعتدة لا تزال معلقة بذكرى لم تمت ، وبمشاعر أسرة الميت ، وربما كان في رحمها حمل لم يتبين ، لذلك نهى الإسلام عن خطبة المعتدة كما نهى عن الزواج بها في فترة العدة .

والإسلام دين الفطرة ، يعلم حاجة الرجل إلى المرأة ، وعدم صبره عنها ، فأباح له التعريض والتلميح بالقول الحسن . كأن يقول لها : " إني أريد الزواج وإني لأحب امرأة من أمرها وأمرها يعرض لها بالقول المعروف وإن النساء لمن حاجتي ، ولوددت أن الله كتب لي امرأة صالحة " ( 282 ) .

{ ولا جناح عليكم فيما عرضتم به عن خطبة النساء أو أكننتم في أنفسكم . . . }

والمعنى : ولا حرج ولا إثم عليكم أيها الرجال المبتغون للزواج ، في التعريض بخطبة المرأة أثناء عدتها ، للزواج منها بعد انقضاء العدة ، كما أنه لا إثم عليكم كذلك في الرغبة في الزواج من المعتدة ، مع إخفاء ذلك وستره من غير كشف وإعلان ، لأن التصريح بالخطبة أثناء العدة عمل يتنافى مع آداب الإسلام ومع تعاليم شريعته ومع الأخلاق الكريمة والعقول السليمة والنفوس الشريفة .

" وقال القرطبي : قال بن عطية : أجمعت الأمة على أن الكلام مع المعتدة بما هو نص في تزوجها وتنبيه .

يقول الزمخشري : " أمروا أن يكونوا عند تسليم الأجر مستبشري الوجوه ناطقين بالقول الجميل ، مطيبين لأنفس المراضع بما أمكن حتى يؤمن تفريطهن بقطع معاذيرهن .

{ واتقوا الله واعلموا أن الله بما تعملون بصير }

تختم الآية بذلك الرباط الإلهي اللطيف ، فقد اشتملت الآية علة مجموعة من الأوامر والتوجيهات بشأن معاملة الرضيع ونفقته ، وهي أمور في حاجة إلى المكارم والإخلاص ، ومراقبة الله العليم بكل شيء ، المطلع على جميع الأمور .

* * *