تفسير القرآن الكريم لعبد الله شحاته - شحاته  
{۞وَإِذِ ٱسۡتَسۡقَىٰ مُوسَىٰ لِقَوۡمِهِۦ فَقُلۡنَا ٱضۡرِب بِّعَصَاكَ ٱلۡحَجَرَۖ فَٱنفَجَرَتۡ مِنۡهُ ٱثۡنَتَا عَشۡرَةَ عَيۡنٗاۖ قَدۡ عَلِمَ كُلُّ أُنَاسٖ مَّشۡرَبَهُمۡۖ كُلُواْ وَٱشۡرَبُواْ مِن رِّزۡقِ ٱللَّهِ وَلَا تَعۡثَوۡاْ فِي ٱلۡأَرۡضِ مُفۡسِدِينَ} (60)

الاستسقاء

( وإذا استسقى موسى لقومه فقلنا اضرب بعصاك الحجر فانفجرت منه اثنتا عشرة عينا قد علم كل أناس مشربهم كلوا واشربوا من رزق الله ولا تعثوا في الأرض مفسدين ( 60 ) (

المفردات :

استسقى : طلب السقيا عند عدم الماء أو قلته ، قال أبوا طالب يمدح النبي صلى الله عيه وسلم .

وأبيض يستسقي الغمام بوجهه ثمال اليتامى عصمة للأرامل

والانفجار ، والانبجاس . والسكب بمعنى .

والمشرب : مكان الشرب

ولا تعثوا في الأرض : لا تعتدوا حال كونكم مفسدين .

تمهيد :

ذكر الله سبحانه في هذه الآية نعمة أخرى آتاها بني إسرائيل فكفروا بها ، ذلك أنهم حين خرجوا من مصر إلى التيه أصابهم ظمأ من لفح الشمس فاستغاثوا بموسى فدعا ربه أن يستقيم فأجاب دعوته . وقد كان من أدب بني إسرائيل أن يعودوا باللوم على موسى إذا أصابهم الضيق ويمنون عليه بالخروج معه من مصر ، ويصارحونه بالندم على ما فعلوا ، فقد روى أنهم قالوا : من لنا بحر الشمس ؟ فظلل عليهم الغمام . وقالوا : من لنا بالطعام ؟ فأنزل الله عليهم المن والسلوى . وقالوا : من لنا بالماء ؟ فأمر موسى بضرب الحجر .

التفسير :

60- وإذ استسقى موسى لقومه فقلنا اضرب بعصاك الحجر فانفجرت منه اثنتا عشرة عينا قد علم كل أناس مشربهم كلوا واشربوا من رزق الله ولا تعثوا في الأرض مفسدين . واذكروا يا بني إسرائيل وقت أن أصاب آباءكم العطش وهم في صحراء مجدبة فطلب موسى لهم السقيا من الله تعالى فأجابه الله إلى ما طلب فأوحينا إليه أن أضرب بعصاك الحجر فانفجرت منه اثنتا عشر عينا بمقدار عدد الأسباط . وصار لكل سبط منهم مشرب يعرفه ولا يتعداه إلى غيره ، وقلنا لهم : تمتعوا بما من الله به عليكم من المن والسلوى ، واشربوا بما فجرنا لكم من الحجر الصلب من غير تعب منكم ولا مشقة .

ولا تنشروا فسادكم في الأرض فتتحول النعم التي بين أيديكم إلى نقم وتصبحوا على ما فعلتم نادمين .

وقد جاء هذا النهي عقب الإنعام عليهم بطيب الأكل والمشرب خيفة أن ينشأ الفساد فيهم بزيادة النعم عليهم ، ولئلا يقابلوا النعم بالكفران .

قال تعالى : كلا إن الإنسان ليطغى*أن رآه استغنى . ( 6 ، 7 ) .

والحجر الذي ضربه موسى لم يكن حجرا معينا بل أي حجر من أحجار الصحراء ، وأل في الحجر لتعريف الجنس أي اضرب أي حجر شئت بدون تعيين ، وقيل للعهد ، ويكون المراد حجرا معينا معروفا لموسى عليه السلام بوحي من الله تعالى .

وقد أورد المفسرون في وصف هذا الحجر آثارا حكم المحققون بضعفها .

( قال الحسن : لم يكن حجرا معينا بل أي حجر ضربه انفجر منه الماء ، وهذا أظهر في حجة موسى عليه السلام وأدل على قدرة الله ، وقد سماه في سفر الخروج الصخرة ) ( 158 ) .

والفاء في قوله تعالى : فانفجرت منه اثنتا عشرة عينا . للعطف على محذوف تقديره : ضرب فانفجرت منه اثنتا عشرة عينا ، وقد حذفت هذه الجملة المقدرة لوضوح المعنى .

وكانت العيون اثنتي عشرة عينا ، لأن بني إسرائيل كانوا اثني عشر سبطا ، والأسباط في بني إسرائيل كالقبائل في العرب ، وهم ذرية أبناء يعقوب عليه السلام الاثنى عشر ، ففي انفجار الماء من اثنتي عشرة عينا إكمال للنعمة عليهم حتى لا يقع بينهم تنازع وتشاجر .

وقوله تعالى : كلوا واشربوا من رزق الله . مقول لقول محذوف تقديره وقلنا لهم : كلوا واشربوا من رزق الله . مقول لقول محذوف تقديره وقلنا لهم : كلوا واشربوا من رزق الله .

وبذلك تكون الآية الكريمة ، قد ذكرت بني إسرائيل بنعمة جليلة ونصحتهم بأن يشكروا الله وحذرتهم من الفساد والجحود .