تفسير القرآن الكريم لعبد الله شحاته - شحاته  
{ٱلَّذِينَ يُنفِقُونَ فِي ٱلسَّرَّآءِ وَٱلضَّرَّآءِ وَٱلۡكَٰظِمِينَ ٱلۡغَيۡظَ وَٱلۡعَافِينَ عَنِ ٱلنَّاسِۗ وَٱللَّهُ يُحِبُّ ٱلۡمُحۡسِنِينَ} (134)

ثم وصف الله عباده المتقين ببعض صفاتهم التي تؤهلهم لمغفرته ودخول حنته فقال :

134- { الذين ينفقون في السراء والضراء . . } الآية .

المفردات :

السراء : الرجاء واليسر .

الضراء : الشدة والعسر .

الكاظمين الغيظ : الممسكين عند امتلاء نفوسهم به فلا ينتقمون ممن غاظهم واصل الكظم : شد فم القربة عند امتلائها والغيظ : هيجان الطبع عند رؤية ما ينكر .

التفسير :

أي في اليسر والعسر والفرح والحزن والمنشط والمكره .

والمراد : أنهم ينفقون في كل أحوالهم فهي دائرة بين السراء والضراء وهذه هي الصفة الأولى .

وإنما ابتدأ بالإنفاق لأن الجود بالمال وبخاصة في حال العسرة والشدة من أشق الأمور على النفوس .

وفيه أقوى الأدلة على الإخلاص لأن حاجة المسلمين إلى الإنفاق آنذاك بل وكل آن كانت أشد لمجاهدة العدو ومواساة المسلمين .

ولأن النهي عن الربا يستدعي بديلا عنه ولذلك يقترن النهي عن الربا في القرآن بالحث على الصدقة .

وحذف مفعول ينفقون ليعم كل ما يصح للإنفاق أو لأن المراد وصفهم بالاتفاق دون نظر إلى ما ينفقون كما تقول : فلان يعطي ويمنع لا تقصد إلا وصفه بالإعطاء والمنع .

{ والكاظمين الغيظ }

صفة ثانية وكظم الغيظ حبسه وكتمه مع القدرة على إمضائه والغيظ : هيجان الطبع عند رؤية ما ينكر والفرق بينه وبين الغضب على ما قيل أن الغضب يتبعه إرادة الانتقام ألبتة ولا كذلك الغيظ والغيظ أصل الغضب وكثيرا ما يتلازمان .

وكظم الغيظ من أجمل الأخلاق وأنبلها وأحبها إلى الله .

وفي الحديث الشريف : " من كظم غيظا وهو قادر على أن ينفذه ملأ الله جوفه أمنا وإيمانا " 89 .

وعبر في الصفة الأولى بالفعل المضارع ينفقون قصد الإرادة أن يجحدوا الإنفاق من آن لآخر .

وعبر بالكاظمين وهو اسم فاعل : لقصد الثبات والاستمرار على ضبط النفس .

{ والعافين عن الناس }

هذه صفة ثالثة جاءت على اسم الفاعل للدلالة على الثبات والدوام أيضا .

والعفو : ترك عقوبة من يستحق العقوبة من الناس لذنب جناه وهو أكمل من كظم الغيظ لان الغيظ مجرد ضبط النفس ولا يلزمه الإغضاء عن الإساءة .

أما العفو فيقتضي تناسي الإساءة واعتبارها كأن لم تكن .

وفي الحديث الصحيح : " . . وما زاد الله عبدا بعفو إلا عزا " 90

{ والله يحب المحسنين }

أي كل المحسنين ويدخل فيهم من تقدم ذكرهم .

والحب : ميل القلب إلى المحبوب .

والمراد به في الآية ما يلزم عنه من الثواب والرضوان .

والمعنى : أن الله يرضى عن المحسنين جميعا ويجازيهم على إحسانهم أحسن الجزاء .

والإحسان يشمل : اتقاء العمل والإتيان به على الوجه الأكمل .

ومنه قول الرسول صلى الله عليه وسلم وقد سئل عن الإحسان :

" أن تعبد الله كأنك تراه فإن لم تكن تراه فإنه يراك " 91 .

ويشكل أيضا : إيصال النفع إلى الغير ودفع الضرر عنه .

ولا يكمل الإحسان حتى يكون خالصا لوجه الله : لا ينتظر المحسن مكافاة عليه ولا يكون مكافاة على إحسان سابق وصل إليه .

وفي الحديث الشريف : " ليس الواصل بالمكافئ " 92 والمراد بالواصل : المحسن .

وقال الثوري : الإحسان : أن تحسن إلى من أساء إليك فأما من أحسن إليك فإنه متاجرة كنقد السوق خذ مني وهات .

ولمكانة الإحسان عند الله أثاب عليه بأعلى أنواع الثواب وهو محبته سبحانه وتعالى كما قال في ختام الآية : والله يحب المحسنين .