{ وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ } أي الجامعين الغيظ عند امتلاء أنفسهم منه ، والكافين غضبهم عن إمضائه يردّون غيظهم وحزنهم إلى أجوافهم ويصبرون فلا يظهرون ، وأصل الكظم : حبس الشيء عن امتلائه ، يقال : كظمت القربة إذا ملأتها ، وما يقال لمجاري الماء : كظائم ، لامتلائها بالماء وأخذ بها كظامة ، ومنه قيل : أخذت بكظمه ، يعني بمجاري نفسه ، ومنه كظم الإبل وهو حبسها جررها في أجوافها ولا تجتر ، وإنما يفعل ذلك من الفزع والجهل .
قال أعشى باهلة يصف رجلاً نحّاراً للإبل وهي تفزع منه :
قد تكظم البزل منه حين تبصره *** حتى تقطع في أجوافها الجرر
ومنه قيل : رجل كظيم ومكظوم إذا كان ممتلئاً غضباً وغماً وحزناً . قال الله تعالى :
{ وَابْيَضَّتْ عَيْنَاهُ مِنَ الْحُزْنِ فَهُوَ كَظِيمٌ } [ يوسف : 84 ] وقال :
{ ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدّاً وَهُوَ كَظِيمٌ } [ النحل : 58 ] وقال :
{ إِذْ نَادَى وَهُوَ مَكْظُومٌ } [ القلم : 48 ] وقال :
{ إِذِ الْقُلُوبُ لَدَى الْحَنَاجِرِ كَاظِمِينَ } [ غافر : 18 ] .
فحضضت قومي فاحتبست قتالهم *** والقوم من خوف المنايا كُظمُ
وفي الحديث : " ما من جرعة أحمد عقباناً من جرعة غيظ مكظومة " .
وروى سهل بن معاذ بن أنس عن أبيه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " من كظم الغيظ وهو يقدر على إنفاذه دعاه إلله يوم القيامة على رؤس الخلائق حتى يخيّره من أي الحور يشاء " .
أنشدنا أبو القاسم محمد بن حبيب قال : أنشدنا أبو سعيد أحمد بن محمد بن رميح قال : أنشدنا ابن أبي الزنجي ببغداد قال : أنشدنا العرجي :
وإذا غضبت فكن وقوراً كاظماً *** للغيظ تبصر ما تقول وتسمع
فكفى به شرفاً تصبر ساعة *** يرضى بها عنك الإله وترفع
{ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ } .
قال الرباحي والكلبي : عن المملوكين ، وقال زيد بن أسلم ومقاتل : " عمّن ظلمهم وأساء إليهم ، وقال مقاتل بن حيان في هذه الآية : بلغنا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال عند ذلك : " إن هؤلاء في أمتي قليل إلاّ من عصم الله وقد كانوا كثيراً في الأمم التي مضت " " .
وعن أبي هريرة أن أبا بكر ( رضي الله عنه ) " كان مع النبي صلى الله عليه وسلم في مجلس ، فجاء رجل فوقع في أبي بكر وهو ساكت والنبي صلى الله عليه وسلم يبتسم ، ثم ردَّ أبو بكر ( رضي الله عنه ) عنه بعض الذي قال ، فغضب النبي صلى الله عليه وسلم وقام فلحقه أبو بكر فقال : يا رسول الله شتمني وأنت تبتسم ثم رددت عليه بعض ما قال فغضبت وقمت ، فقال : " إنك حين كنت ساكتاً كان معك ملك يرد عنك فلما تكلمت وقع الشيطان فلم أكن لأقعد في مقعد يقعده الشيطان ، ثمّ قال : يا أبا بكر ثلاث كلّهن حق : أنه ليس عبد يظلم بمظلمة فيعفوا عنها إلاّ أعز الله نصره ، وليس عبد يفتح باب مسألة يريد به كثرة إلاّ زاده الله قلة وليس عبد يفتح باب عطية أو صلة إلاّ زاده الله بها كثرة " " .
لن يبلغ المجد أقوام وإن كرموا *** حتى يذلوا ، وإن عزّوا لأقوام
ويشتموا فترى الألوان مشرقة *** لاصفح ذل ولكن صفح أحلام
{ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ } .
قال مقاتل : يعني إن هذه الأشياء إحسان ومن فعل ذلك فهو محسن والله يحب المحسنين .
قال الحسن : الإحسان أن يعمّ ولا يخص كالريح والشمس والمطر .
سفيان الثوري : الإحسان أن تحسن إلى من أساء إليك ، فإن الإحسان إلى المحسن [ مزاجرة ] كلمة السوق خُذ وهات .
السقطي : الإحسان أن يحسن وقت الإمكان ، فليس في كل وقت يمكنك الإحسان .
أنشدني أبو القاسم الحبيبي قال : أنشدني أبو العباس عبد الله بن محمد الجماني :
ليس في كل ساعة و أوان *** تتهيأ صنائع الإحسان
فإذا أمكنت فبادر إليها *** حذراً من تعذر الإمكان
ثابت البناني عن أنس بن مالك قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " رأيت قصوراً مشرفة على الجنة فقلت يا جبرئيل لمن هذه ؟ قال : للكاظمين الغيظ والعافين عن الناس والله يحب المحسنين " .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.