الكشاف عن حقائق التنزيل للزمخشري - الزمخشري  
{ٱلَّذِينَ يُنفِقُونَ فِي ٱلسَّرَّآءِ وَٱلضَّرَّآءِ وَٱلۡكَٰظِمِينَ ٱلۡغَيۡظَ وَٱلۡعَافِينَ عَنِ ٱلنَّاسِۗ وَٱللَّهُ يُحِبُّ ٱلۡمُحۡسِنِينَ} (134)

{ في السَّرَّاء والضراء } في حال الرخاء واليسر وحال الضيقة والعسر ، لا يخلون بأن ينفقوا في كلتا الحالتين ما قدروا عليه من كثير أو قليل ، كما حكي عن بعض السلف : أنه ربما تصدّق ببصلة ، وعن عائشة رضي الله عنها أنها تصدّقت بحبة عنب أو في جميع الأحوال لأنها لا تخلو من حال مسرة ومضرّة ، لا تمنعهم حال فرح وسرور ، ولا حال محنة وبلاء ، من المعروف ، وسواء عليهم كان الواحد منهم في عرس أو في حبس ، فإنه لا يدع الإحسان . وافتتح بذكر الإنفاق لأنه أشق شيء على النفس وأدله على الإخلاص ، ولأنه كان في ذلك الوقت أعظم الأعمال للحاجة إليه في مجاهدة العدو ومواساة فقراء المسلمين .

كظم القربة : إذا ملأها وشد فاها . وكظم البعير : إذا لم يجتر . ومنه كظم الغيظ ، وهو أن يمسك على ما في نفسه منه بالصبر ولا يظهر له أثراً ، وعن النبي صلى الله عليه وسلم :« من كظم غيظاً وهو يقدر على إنفاذه ملأ الله قلبه أمنا وإيماناً » ، وعن عائشة رضي الله عنها : أن خادماً لها غاظها فقالت : لله درّ التقوى ، ما تركت لذي غيظ شفاء . { والعافين عَنِ الناس } إذا جنى عليهم أحد لم يؤاخذوه وروي : « ينادي مناد يوم القيامة : أين الذين كانت أجورهم على الله فلا يقوم إلا من عفا » وعن ابن عيينة : أنه رواه للرشيد وقد غضب على رجل فخلاه . وعن النبي صلى الله عليه وسلم : « إن هؤلاء في أمّتي قليل إلا من عصم الله ، وقد كانوا كثيراً في الأمم التي مضت » { والله يُحِبُّ المحسنين } يجوز أن تكون اللام للجنس فيتناول كل محسن ويدخل تحته هؤلاء المذكورون . وأن تكون للعهد فتكون إشارة إلى هؤلاء { والذين } عطف على المتقين . أي أعدت للمتقين وللتائبين . وقوله : { أولئك } إشارة إلى الفريقين . ويجوز أن يكون والذين مبتدأ خبره أولئك .