تأويلات أهل السنة للماتريدي - الماتريدي  
{ٱلَّذِينَ يُنفِقُونَ فِي ٱلسَّرَّآءِ وَٱلضَّرَّآءِ وَٱلۡكَٰظِمِينَ ٱلۡغَيۡظَ وَٱلۡعَافِينَ عَنِ ٱلنَّاسِۗ وَٱللَّهُ يُحِبُّ ٱلۡمُحۡسِنِينَ} (134)

الآية 134 وقوله تعالى { الذين ينفقون في السراء والضراء } قيل : السراء الرخاء والضراء الشدة /69-أ وقيل : السراء السعة ، والضراء الضيق ، وهو واحد ، وقيل : السراء ( ما يسر لهم ){[4392]} الإنفاق من حال الرخاء والسعة أيسر وأهون على المرء من الإنفاق في حال الضيق والفقر ، فإذا أنفق في الأحوال ( كلها ){[4393]} يستوجب بذلك المدح والله أعلم .

والسبب الذي يتيسر عليه الأمر ( في وجهين ){[4394]}

أحدهما : علمه بأن الذي في يديه في الحقيقة في يدك ، فهو يصرف ذلك حين يصرفه لم يخرجه من يده ، ( بل أبقاه ){[4395]} في يده .

والثاني : علمه : {[4396]} بجود ربه وقدرته حيث يكون ذلك في ما به قضاء حاجته والوصول إلى منفعته مع ما يعلم بالوجود وكثرة الانتفاع بما لا ملك للمنتفع به وحرمة ذي الملك فيه .

قال الشيخ ، رحمه الله في قوله : { الذين ينفقون في السراء والضراء } يحتمل في ما يسرهم ويضرهم أو في حال يسر وعسر أو حال بلاء ونعمة ، ثم السبب الذي يسهل سبيل الإنفاق في تلك الأحوال ، وإن كان بالذي ذكر في تسهيل التقوى ( هو في ){[4397]} وجوه ثلاثة :

أحدهما : أن ترى ما في يدك لمن له ( ما في ) {[4398]} يدك ، امتحنك بحق ذلك وحفظه ، وأنك إذا بذلته ارتفعت عنك مؤنة الحفظ ومراعاة الحق على ما لم يكن زال عنك نفعه الذي كان له وقت كونه في يدك إذ هو بعد البذل في يد من يديك قبله في يده ، فكأنه لم يخرج من يدك بحيث النفع ، وإنما سقطت{[4399]} عنك ما ذكرت من المؤنة ، إذ معلوم وجودها في الظاهر ، لا ممتنع به ، ومن لا ملك له في الشيء منتفع به على العلم باستواء الأمر على من له بذلت ، والله أعلم .

والثاني : أن تشعر قلبك جوده بمن أثره على ما عنده وقدرته على إعطائه إياه من خزائنه التي لا تنفذ ، ولا يتعذر عليه فتتيقن بذلك ، وتعلم أنه لك على الإيصال إليه في ما لم يكن أوصله . وعلى ذلك في ما أعطاه في القدرة واحد ، فيهون عليه ذلك ، والله أعلم .

الثالث : أن تعلم أن الذي عليه جبل ، وإليه دفع ، ليس للوقت الذي فيه ، ولكن ليتزود لمعاده ، ويكتسب به الحياة الدائمة والمنفعة التي لا تنفذ ، فيصير كبائع الشيء بأضعاف ثمنه أو باذل ما فيه مكان رقبته أو كمقدم ما يمتهن إلى مكان مهنته أو كمن يعد الشيء في مسكنه لوقت حاجته ، فإن مثله أثر الشيء في الطبيعة والذي ( هو ){[4400]} شيء في العقل ولا قوة إلا بالله .

ثم الأصل في قوله : { أعدت للمتقين } من لم يبلغ بما ترتكب من المعاصي الكفر لم يمتنع من احتمال التسمية المتقين على إرادة خصوص التقوى ، وهو ممتنع عن احتمال التسمية بالكفر على ما صرف الآية في إعداد{[4401]} النار إلى خصوص

أو عموم فثبت به خروج صاحب الكبائر عن أهل الاسم الذي أعدت النار ( لهم ){[4402]} ولم يثبت خروجه عن أهل الاسم الذي أعدت الجنة ( لهم ) {[4403]} فالقول فيه بالقطع في النار . وإنما ذلك في الجنة فاسد بأوجه :

أحدهما : مع الإشكال في كل ما يحرم الجنة والإحاطة بأن النار لم تذكر إنها أعدت له ، أدخل فيها ، فيكون في ذلك إسقاط شهادة ( ثبتت{[4404]} بيقين الشك وإيجاب شهادة ) {[4405]} لم تجب بالخيال .

والثاني : أن يكون في ذلك إسقاط اسم العود الرحمة ؛ إذ لو لم يجعل لمثله لبطل أن يكون موضع ما في غيره استحقاق والله أعلم .

والثالث : ما فيه إسقاط الموازنة وإفساد المقابلة مع مجيء الآيات والكتب التي تقر الموازين التي توزن مع ما في ذلك مخالفته التوهم بالكريم الذي أمرنا أن نسميه بها مع ما قد جاء من التجاوز عن السيئات والتقبل للحسنات من واحد ، وفي ذلك قلب ذلك والله أعلم .

وقوله تعالى{[4406]} { والكاظمين الغيظ } روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ( أنه ) {[4407]} قال : " من كظم غيظا ، وهو يقدر على إنفاذه ، ملأه الله أمنا وإيمانا " ( السيوطي في الدر المنثور 2/316 ) والغيظ كأنه متردد بين الحزن والغضب والحزن على من فوقه ، والغضب على من دونه ، والغيظ بين ذلك . مدحهم صلى الله عليه وسلم بترديد حزنهم وغيظهم في أجوافهم .

وقوله تعالى{[4408]} { والعافين عن الناس } أي عمن ظلم : وروي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال : " ما عفا رجل عن مظلمة إلا زاده الله بها عزا ، ومن عفا عن الناس عن مظلمة فقد أحسن بذلك كما يقال : فلان يحسن كذا ، ولا يحسن " ( بنحوه أحمد 2/438 ) .

وقوله تعالى{[4409]} { والله يحب المحسنين } والإحسان يحتمل وجهين : يحتمل العلم والمعرفة ، ويحتمل أن يفعل فعلا ليس عليه من نحو المعروف والأيادي التي ليس عليه ، إنما فعله الإفضال ، ذكر ههنا المحسنين وحبه ( إياهم ) {[4410]} وأخبر في الآية الأولى أن الجنة { أعدت للمتقين } بقوله { وسارعوا إلى مغفرة من ربكم وجنة عرضها السماوات والأرض } ثم قال : { أعدت للمتقين } واخبر ان النار { أعدت للكافرين } ( البقرة 24 وآل عمران 132 )

ثم اختلفوا فيه : قال بعضهم : من لم يكن من المتقين لم تعد الجنة له ، فهو ممن أعدت له النار وهو قول الخوارج والبغاة وقال آخرون : إنه أخبر أن النار { أعدت للكافرين } فهو إذا لم يكن كافرا ممن أعدت له النار فهو ممن أعدت له الجنة وقال غيرهم : أخبر أن النار { أعدت للكافرين } وأخبر أن الجنة { أعدت للمتقين } فوصف المتقين بأنهم{[4411]} الذين اتقوا معاصيه وتركوا مخالفة أمره ونهيه فإذا كان قوم لهم مساوئ لم يدخلوا في إطلاق قوله { أعدت للمتقين } ولا دخلوا في قوله : { أعدت للكافرين } فيكون لهم موضع بالنار .

وأما عندنا فإنه ( في وجهين :

أحدهما ) {[4412]} : يرجى دخول من ارتكب المساوئ من المؤمنين في قوله { وجنة عرضها } كذا { وأعدت للمتقين } وقوله{[4413]} { وآخرون اعترفوا بذنوبهم خلطوا عملا صالحا وآخر سيئا عسى الله أن يتوب عليهم } ( التوبة 102 ) ذكر خلط عمل الصالح بعمل السيئ ثم وعد لهم التوبة بقوله { عسى الله أن يتوب عليهم } ال { عسى } من الله واجب .

والثاني : قوله : { أولئك الذين نتقبل عنهم أحسن ما عملوا ونتجاوز عن سيئاتهم } ( الأحقاف : 16 ) فإذا تجاوز لم تبق مساوئ فصاروا من أهل هذه الآية : { أعدت للمتقين } وقوله { للمتقين } ( الشعراء 90- . . . ) وقوله أيضا :


[4392]:؟؟؟؟؟
[4393]:؟؟؟؟؟
[4394]:في الأصل وم: وجهان
[4395]:ساقطة من الاصل وم.
[4396]:في الأصل وم: يعلم.
[4397]:في الأصل وم: هذا.
[4398]:ساقطة من الأ صل وم:
[4399]:من م، في الأصل: سقت.
[4400]:ساقطةمن الأصل وم.
[4401]:في الأصل وم: أعداء.
[4402]:ساقطة من الأصل وم
[4403]:في الأصل وم له
[4404]:في م: ثبت
[4405]:من م ساقطة من الأصل
[4406]:في م:
[4407]:ساقطة من الأصل وم.
[4408]:في وم.
[4409]:في وم.
[4410]:ساقطة من الأصل وم
[4411]:في الأصل وم: فهم.
[4412]:ساقطة من الأصل وم.
[4413]:في الأصل وم بقوله.