الهداية إلى بلوغ النهاية لمكي بن ابي طالب - مكي ابن أبي طالب  
{ٱلَّذِينَ يُنفِقُونَ فِي ٱلسَّرَّآءِ وَٱلضَّرَّآءِ وَٱلۡكَٰظِمِينَ ٱلۡغَيۡظَ وَٱلۡعَافِينَ عَنِ ٱلنَّاسِۗ وَٱللَّهُ يُحِبُّ ٱلۡمُحۡسِنِينَ} (134)

قوله : ( الذِينَ يُنفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ ) الآية [ 134 ] .

هذه صفة المتقين الذين أعدت لهم الجنة ينفقون أموالهم في الله في حال السرور . والسراء مصدر سرني مسرة وسروراً( {[10854]} ) .

والضراء مصدر ، قد ضُرَّ فلان إذا أصابه الضر ، وهو الضيق والجهد( {[10855]} ) . قال ابن عباس : في السراء والضراء في اليسر ، والعسر( {[10856]} ) .

( وَالكَاظِمِينَ( {[10857]} ) الغَيْظَ( {[10858]} ) ) أي : الذين يتجرعون غيظهم عند امتلاء أنفسهم . وقيل( {[10859]} ) الكظم : الحبس ، فمعناه : والحابسين غيظهم ( وَالعَافِينَ ) أي : الصافحين عن جنايات الناس وذنوبهم وهم على الانتقام قادرون .

قال أبو العالية : ( عَنِ النَّاسِ ) أي : عن المماليك( {[10860]} ) .

وقال النبي صلى الله عليه وسلم : " من كظم غيظاً ، وهو يقدر على إنفاذه ملأه الله أمناً وإيماناً " ( {[10861]} ) وقال ابن عباس : هذا كقوله : ( وَإِذَا مَا غَضِبُوا هُمْ يَغْفِرُونَ )( {[10862]} ) ( وَالعَافِينَ عَنِ النَّاسِ ) مثل قوله :

( وَلاَ يَاتَلِ أُوْلُوا الفَضْلِ مِنكُمْ ) . . . إلى قوله : ( أَلاَ تُحِبُّونَ أَنْ يَّغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ )( {[10863]} ) الآية( {[10864]} ) .

وروي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : " ما تجرع عبد جرعة خير له من جرعة غيظ " ( {[10865]} ) .

وقال " أفضل أخلاق المسلمين العفو " ( {[10866]} ) .

( وَاللَّهُ يُحِبُّ المُحْسِنِينَ ) أي : يحب من عمل بهذه الصفات . وعن الحسن أنه قال : ( وَالكَاظِمِينَ الغَيْظَ ) عن الأرقاء ( وَالعَافِينَ عَنِ النَّاسِ ) إذا ما جهلوا عليهم( {[10867]} ) .


[10854]:- انظر: اللسان (سر) 4/356.
[10855]:- انظر: اللسان (ضر) 4/482.
[10856]:- انظر: جامع البيان 4/93، والدر المنثور 2/316.
[10857]:- يقال كظم الغيظ إذا رده إلى جوفه ويكاد أن يخرج من كثرته، فضبطه، ومنعه كظماً له. انظر: اللسان كظم 12/519.
[10858]:- الغيظ أصل الغضب، وقيل: أشده، وأوله، ويتلازم الغيظ والغضب، وفسر أحدهما بالآخر وليس الأمر كذلك إذ الغيظ فعل النفس لا يظهر على الجوارح، والغضب حال للنفس معه ظهور في الجوارح. ولذا جاز إسناد الغضب إلى الله ولم يجزم إسناد الغيظ إليه. انظر: المحرر 3/233 واللسان كظم 7/450.
[10859]:- هو جواب ابن عباس عن مسألة ابن الأزرق. انظر: الدر المنثور 2/316.
[10860]:- انظر: الدر المنثور 2/316.
[10861]:- أخرجه ابن ماجه في كتاب الزهد 2/1400 وأبو داود في كتاب الآداب 4/248.
[10862]:- الشورى آية 34.
[10863]:- النور آية 22.
[10864]:- انظر: جامع البيان 4/94.
[10865]:- أخرجه ابن ماجه في كتاب الزهد 1401 وأبو داود في كتاب الآداب 4/48. والجامع الصغير 2/490.
[10866]:- لم أقف عليه.
[10867]:- انظر: جامع البيان 4/93.