تفسير القرآن الكريم لعبد الله شحاته - شحاته  
{وَإِذۡ تَأَذَّنَ رَبُّكَ لَيَبۡعَثَنَّ عَلَيۡهِمۡ إِلَىٰ يَوۡمِ ٱلۡقِيَٰمَةِ مَن يَسُومُهُمۡ سُوٓءَ ٱلۡعَذَابِۗ إِنَّ رَبَّكَ لَسَرِيعُ ٱلۡعِقَابِ وَإِنَّهُۥ لَغَفُورٞ رَّحِيمٞ} (167)

{ وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكَ لَيَبْعَثَنَّ عَلَيْهِمْ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَن يَسُومُهُمْ سُوءَ الْعَذَابِ إن رَبَّكَ لَسَرِيعُ الْعِقَابِ وَأنهُ لَغَفُورٌ رَّحِيمٌ ( 167 ) وَقَطَّعْنَاهُمْ فِي الأَرْضِ أُمَمًا مِّنْهُمُ الصَّالِحُونَ وَمِنْهُمْ دُونَ ذَلِكَ وَبَلَوْنَاهُمْ بِالْحَسَنَاتِ وَالسَّيِّئَاتِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ ( 168 ) }

المفردات :

تأذن ربك : تأذن بمعنى : آذن أي : أعلم . كتوعد بمعنى أوعد .

من يسومهم : من يذيقهم .

التفسير :

{ 167 - وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكَ لَيَبْعَثَنَّ عَلَيْهِمْ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَن يَسُومُهُمْ سُوءَ الْعَذَابِ . . . . . } الآية .

الحق سبحانه عادل غير ظالم ، بيد أن اليهود تلاعبت بشريعة الله ، وأكلت السمك بالحيلة ، وأكثرت من التحايل على الأوامر والنواهي ، لذلك سلط الله عليهم جماعات متعددة ، في تاريخهم القديم والحديث :

{ و إِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكَ لَيَبْعَثَنَّ عَلَيْهِمْ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَن يَسُومُهُمْ سُوءَ الْعَذَابِ . . . . َ }

الأذان : لغة الإعلام ، ومعنى تأذن ربك : أعلم ربك أسلاف اليهود على ألسنة أنبيائهم : لئن غيروا وحرّفوا كلام الله ؛ ليسلطنّ عليهم إلى يوم القيامة من يذيقهم العذاب ، ويلحق بهم الذّل والصّغار ، ويفرض عليهم الجوية ويبدّد ملكهم ، حتى يصبحوا أذلة مشردين .

{ إن رَبَّكَ لَسَرِيعُ الْعِقَابِ وَأنهُ لَغَفُورٌ رَّحِيمٌ } .

أي : أن الله سريع العقاب لمن خالف شرعه ، واستمرأ المعصية ، واطمأن إلى حلم الله .

وإنه لغفور رحيم . لمن تاب وأناب ورجع إلى طاعة الله ، واستغفر وندم ؛ فإن الله يغفر له ، ويرحمه برحمته الواسعة .

فهو سبحانه حكيم ، ينزل عقوبته بالجاحدين المكابرين ، وينزل رحمته بالطائعين التائبين .

وقد تحقق مضمون هذه الآية ، فسلط الله عليهم اليونانيين والكشدانيين ، والكلدانيين والبابليين ثم الروم النصارى ، ثم المسلمين ثم الألمان بقيادة هتلر في العصر الحديث ، الذي قتلهم وشردهم في البلاد .

وطبيعة اليهود من الظلم والعدوان تغلب عليهم كما حدث في حرب سنة 1967 م ، حيث استولوا على مساحات شاسعة من أرض جيرانهم من عرب فلسطين والأردن وسوريا ومصر ، ثم سلط الله عليهم العرب المسلمين بقيادة مصر وسوريا ، في العاشر من رمضان سنة 1393 ه ، الموافق 6 أكتوبر سنة 1973 م ، فدكوا حصونهم ، وحطموا أسلحتهم ، في حرب خاطفة ، أذهلت أمم العالم ، وحملتهم على تأييد العرب ضدهم ، وذلك مصداق قوله تعالى :

{ و إِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكَ لَيَبْعَثَنَّ عَلَيْهِمْ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَن يَسُومُهُمْ سُوءَ الْعَذَابِ } .

وهذه الآية بمعنى قوله تعالى في صدر سورة الإسراء : { وقضينا إلى بني إسرائيل في الكتاب لتفسدن في الأرض مرتين ولتلعن علوا كبيرا . . . } إلى أن قال تعالى : { وإن عدتم عدنا وجعلنا جهنم للكافرين حصيرا } . ( الإسراء " 4 – 8 ) .

ومعنى مرتين أي : كرتين . أي : مرة إثر مرة ، فكلما أفسدوا في الأرض ، سلط الله عليهم من ينتقم منهم ، وأشهر من سلط عليهم في المرة الأولى هو بختنصر البابلي المجوسي الذي خرّب ديارهم وقتل مقاتليهم ، وسبى نسائهم وذراريهم ، وضرب الجزية على من بقي منهم ، وقد غزاهم ثلاث مرات الأولى سنة 606 ق . م والثانية سنة 599 ق . م والثالثة سنة 588 ق . م .

أما فسادهم الثاني فكان بعد ميلاد المسيح عليه السلام ، حيث سلط الله عليهم الرومان بقيادة تيطس سنة 70م ، فشردهم وهدم هيكلهم ، وقتل منهم خلقا كثيرا ، حتى بلغ عدد القتلى منهم مليون قتيل ، وبلغ عدد الأسرى مائة ألف أسير .

وهذا مجرد اجتهاد في تفسير أشهر مرتين ، وأشهر من سلط عليهم .

ثم أخبر القرآن أنهم كلما عادوا إلى الإفساد ، أعاد الله عليهم التعذيب والإذلال .

أما وجود اليهود الآن في فلسطين فهو أمر عارض مؤقت زائل بإذن الله ؛ لثقتنا بوعد الله وكلامه .

وقد روى البخاري في صحيحه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ( لن تقوم الساعة حتى تقاتلوا اليهود فيختبئ أحدهم وراء الحجر ، فيقول الحجر يا عبد الله هذا يهودي ورائي فاقتله )47 .

والحديث فيه كناية عن كراهية العالم لهم ، حتى الأرض والحجارة ترشد المسلم إلى سبيل النصر على اليهود ، ولعل في ثورة الحجارة التي استمرت بضع سنين ، ما يحقق بشارة النبي صلى الله عليه وسلم لأمته بالنصر على اليهود .