تأويلات أهل السنة للماتريدي - الماتريدي  
{وَٱتۡلُ عَلَيۡهِمۡ نَبَأَ ٱلَّذِيٓ ءَاتَيۡنَٰهُ ءَايَٰتِنَا فَٱنسَلَخَ مِنۡهَا فَأَتۡبَعَهُ ٱلشَّيۡطَٰنُ فَكَانَ مِنَ ٱلۡغَاوِينَ} (175)

الآية 175 وقوله تعالى : { واتل عليهم نبأ الذي آتيناه آياتنا فانسلخ منها } اختلف أهل التأويل في هذا :

قال بعضهم : كان هذا نبيا { فانسلخ منها } يعني من النبوّة ، وكفر بها . لكن هذا بعيد ، محال أن يجعل الله الرسالة في من يعلم أنه يكفر به ، أو يختاره لوحيه ، وهو يعلم أنه ليس بأهل لها ، لقوله{[9125]} تعالى : { والله أعلم حيث يجعل رسالته } [ الأنعام : 124 ]

وقال بعضهم : كان بلعم بن باعورا أعطاه الله تعالى آيات ، فكفر بها ، وانسلخ منها . وقيل : عصى الاسم المخزون ، كان يستجاب له به جميع ما يسأل ربه .

وقال بعضهم : كان أميّة بن أبي الصّلت على ما قال{[9126]} عنه عليه السلام ( إنه آمن بشعره ، وكفر بقلبه ) [ كشف الخفاء للعجلوني 19 ] .

وقال بعضهم : نزلت الآية في منافقي أهل الكتاب ؛ قد كان أعطاهم الله الآيات ، فكفروا بها ، وكذّبوها . ولكن لا ندري في من نزلت ؟ وهو في جميع مكذبّي الآيات ، وليس يجب أن نخص{[9127]} واحدا ، أو يشار إلى أحد نزل فيه .

ولكن نقول : إنها نزلت في جميع مكذبي الآيات .

وقوله تعالى : { فانسلخ منها } خرج منها ، ونزع منها ، وقيل : تركها ، وكله واحد . ثم يحتمل { فانسلخ منها } أي كانوا قبلوها مرة ، ثم ردّوها من بعد القبول . ويحتمل أن يقبلوها ابتداء ، فخرجوا منها ، وكذّبوها .

وقوله تعالى : { فأتبعه الشيطان فكان من الغاوين } فيه دلالة أن الله لا [ يتبع الشيطان أحدا ]{[9128]} ولا يزيغه إلا بعد ما كان منه الاختيار للضلال والميل إليه [ حين قال ]{[9129]} : { فانسلخ منها فأتبعه الشيطان فكان من الغاوين } إنما أتبع الشيطان بعد ما كان منه الانسلاخ والنّزع .

وقوله تعالى : { فكان من الغاوين } قيل : كان في علم الله أن يكون في ذلك الوقت من الغاوين ، وقيل : كان من الغاوين ؛ أي صار من الغاوين ، إذ{[9130]} انسلخ منها ، وخرج . والغاوي : الضال .


[9125]:في الأصل وم: يقول.
[9126]:في الأصل وم: قيل.
[9127]:في الأصل وم: ننص.
[9128]:في الأصل وم: يتبعه الشيطان أحد.
[9129]:في الأصل: حيث، في م: حيث قال.
[9130]:في الأصل وم: إذا.