الدر المنثور في التفسير بالمأثور للسيوطي - السيوطي  
{وَٱتۡلُ عَلَيۡهِمۡ نَبَأَ ٱلَّذِيٓ ءَاتَيۡنَٰهُ ءَايَٰتِنَا فَٱنسَلَخَ مِنۡهَا فَأَتۡبَعَهُ ٱلشَّيۡطَٰنُ فَكَانَ مِنَ ٱلۡغَاوِينَ} (175)

أخرج الفريابي وعبد الرزاق وعبد بن حميد والنسائي وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ والطبراني وابن مردويه عن عبد الله بن مسعود { واتل عليهم نبأ الذي آتيناه آياتنا فانسلخ منها } قال : هو رجل من بني إسرائيل يقال له بلعم بن أبر .

وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وأبو الشيخ وابن مردويه من طرق عن ابن عباس قال : هو بلعم بن باعوراء . وفي لفظ : بلعام بن عامر الذي أوتي الاسم كان في بني إسرائيل .

وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله { واتل عليهم نبأ الذي آتيناه آياتنا . . . } الآية . قال : هو رجل من مدينة الجبارين يقال له بلعم ، تعلم اسم الله الأكبر ، فلما نزل بهم موسى أتاه بنو عمه وقومه فقالوا : إن موسى رجل جديد ومعه جنود كثيرة ، وإنه إن يظهر علينا يهلكنا ، فادع الله أن يرد عنا موسى ومن معه . قال : إني إن دعوت الله أن يرد موسى ومن معه مضت دنياي وآخرتي ، فلم يزالوا به حتى دعا عليهم ، فسلخ مما كان فيه . وفي قوله { إن تحمل عليه يلهث أو تتركه يلهث } قال : إن حمل الحكمة لم يحملها وإن ترك لم يهتد لخير ، كالكلب إن كان رابضاً لهث وإن طرد لهث .

وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن ابن عباس في قوله { واتل عليهم نبأ الذي آتيناه . . . } الآية . قال : هو رجل أعطى ثلاث دعوات يستجاب له فيهن ، وكان له امرأة له منها ولد فقالت : اجعل لي منها واحدة . قال : فلك واحدة ، فما الذي تريدين ؟ قالت : ادع الله أن يجعلني أجمل امرأة في بني إسرائيل . فدعا الله فجعلها أجمل امرأة في بني إسرائيل ، فلما علمت أن ليس فيهم مثلها رغبت عنه وأرادت شيئاً آخر ، فدعا الله أن يجعلها كلبة ، فصارت كلبة ، فذهبت دعوتان ، فجاء بنوها فقالوا : ليس بنا على هذا قرار ، قد صارت أمنا كلبة يعيرنا الناس بها ، فادع الله أن يردها إلى الحال التي كانت عليه ، فدعا الله فعادت كما كانت ، فذهبت الدعوات الثلاث وسميت البسوس .

وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن عباس قال : هو رجل يدعى بلعم من أهل اليمن ، آتاه الله آياته فتركها .

وأخرج عبد بن حميد والنسائي وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ والطبراني وابن مردويه عن عبد الله بن عمر { واتل عليهم نبأ الذي آتيناه آياتنا فانسلخ منها } قال : هو أمية بن أبي الصلت الثقفي . وفي لفظ : نزلت في صاحبكم أمية بن أبي الصلت .

وأخرج ابن عساكر عن سعيد بن المسيب قال : « قدمت الفارغة أخت أمية بن أبي الصلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد فتح مكة ، فقال لها » هل تحفظين من شعر أخيك شيئاً ؟ قالت : نعم . فقال النبي صلى الله عليه وسلم : يا فارعة إن مثل أخيك كمثل الذي آتاه الله آياته فانسلخ منها « » .

وأخرج ابن عساكر عن ابن شهاب قال : قال أمية بن أبي الصلت :

ألا رسول لنا منا يخبرنا *** ما بعد غايتنا من رأس نجرانا

قال : ثم خرج أمية إلى البحرين ، وتنبأ رسول الله صلى الله عليه وسلم فأقام أمية بالبحرين ثماني سنين ، ثم قدم فلقي رسول الله صلى الله عليه وسلم في جماعة من أصحابه ، فدعاه النبي صلى الله عليه وسلم إلى الإِسلام ، وقرأ عليه بسم الله الرحمن الرحيم { يس والقرآن الحكيم } [ يس : 1 - 2 ] حتى فرغ منها وثب أمية يجر رجليه ، فتبعته قريش تقول : ما تقول يا أمية ؟ قال : أشهد أنه على الحق . قالوا : فهل تتبعه ؟ قال : حتى أنظر في أمره . ثم خرج أمية إلى الشام وقدم بعد وقعة بدر يريد أن يسلم ، فلما أخبر بقتلى بدر ترك الإِسلام ورجع إلى الطائف . فمات بها ، قال : ففيه أنزل الله { واتل عليهم نبأ الذي آتيناه آياتنا فانسلخ منها } .

وأخرج عبد بن حميد وابن أبي حاتم وابن مردويه وابن عساكر عن نافع بن عاصم بن عروة ابن مسعود قال : إني لفي حلقة فيها عبد الله بن عمر ، فقرأ رجل من القوم الآية التي في الأعراف { واتل عليهم نبأ الذي آتيناه آياتنا فانسلخ منها } فقال : أتدرون من هو ؟ فقال بعضهم : هو صيفي بن الراهب . وقال بعضهم : هو بلعم رجل من بني إسرائيل . فقال : لا . فقالوا : من هو ؟ قال : أمية بن أبي الصلت .

وأخرج ابن أبي حاتم وابن مردويه عن الشعبي في هذه الآية { واتل عليهم نبأ الذي آتيناه آياتنا فانسلخ منها } قال : قال ابن عباس : هو رجل من بني إسرائيل يقال له بلعم بن باعورا ، وكانت الأنصار تقول : هو ابن الراهب الذي بنى له مسجد الشقاق ، وكانت ثقيف تقول : هو أمية بن أبي الصلت .

وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس قال : هو صيفي بن الراهب .

وأخرج ابن جرير عن مجاهد في الآية قال : هو نبي في بني إسرائيل يعني بلعم ، أوتي النبوّة فرشاه قومه على أن يسكت ، ففعل وتركهم على ما هم عليه .

وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن ابن عباس في قوله { فانسلخ منها } قال : نزع منه العلم . وفي قوله { ولو شئنا لرفعناه بها } قال : رفعه الله بعلمه .

وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم عن مالك بن دينار قال : بعث نبي الله موسى بلعام بن باعورا إلى ملك مدين يدعوهم إلى الله ، وكان مجاب الدعوة وكان من علماء بني إسرائيل ، فكان موسى يقدمه في الشدائد فاقطعه وأرضاه فترك دين موسى وتبع دينه ، فأنزل الله { واتل عليهم نبأ الذي آتيناه آياتنا فانسلخ منها } .

وأخرج ابن أبي حاتم عن كعب في قوله { واتل عليهم نبأ الذي آتيناه آياتنا } قال : كان يعلم اسم الله الأعظم الذي إذا دعي به أجاب .

وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن قتادة في قوله { واتل عليهم نبأ الذي آتيناه آياتنا فانسلخ منها } قال : هذا مثل ضربه الله لمن عرض عليه الهدى فأبى أن يقبله وتركه { ولو شئنا لرفعناه بها } قال : لو شئنا لرفعناه بإيتائه الهدى فلم يكن للشيطان عليه سبيل ، ولكن الله يبتلي من يشاء من عباده { ولكنه أخلد إلى الأرض واتبع هواه } قال : أبى أن يصحب الهدى { فمثله كمثل الكلب . . . } الآية . قال : هذا مثل الكافر ميت الفؤاد كما أميت فؤاد الكلب .

وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم في قوله { واتل عليهم نبأ الذي آتيناه آياتنا فانسلخ منها } قال : أناس من اليهود والنصارى والحنفاء ممن أعطاهم الله من آياته وكتابه { فانسلخ منها } فجعله مثل الكلب .

وأخرج ابن جرير وأبو الشيخ عن المعتمر قال : سئل أبو المعتمر عن هذه الآية { واتل عليهم نبأ الذي آتيناه آياتنا فانسلخ منها } فحدث عن سيار أنه كان رجلا يقال له بلعام ، وكان قد أوتي النبوّة ، وكان مجاب الدعوة ، ثم أن موسى أقبل في بني إسرائيل يريد الأرض التي فيها بلعام فرعب الناس منه رعباً شديداً ، فأتوا بلعام فقالوا : ادع الله على هذا الرجل قال : حتى أؤامر ربي ؟ فأوامر في الدعاء عليهم ، فقيل له : لا تدع عليهم فإن فيهم عبادي وفيهم نبيهم ، فقال لقومه : قد وأمرت في الدعاء عليهم وإني قد نهيت . قال : فأهدوا إليه هدية فقبلها ، ثم راجعوه فقالوا : ادع الله عليهم . فقال : حتى أوامر ، فأوامر فلم يحار إليه شيء .

فقال : قد وأمرت فلم يحار إلى شيء . فقالوا : لو كره ربك أن تدعو عليهم لنهاك كما نهاك الأولى ، فأخذ يدعو عليهم ، فإذا دعا جرى على لسانه الدعاء على قومه ، فإذا أرسل أن يفتح على قومه جرى على لسانه أن يفتح على موسى وجيشه ، فقالوا : ما نراك إلا تدعو علينا . . . ! قال : ما يجري على لساني إلا هكذا ، ولو دعوت عليهم ما استجيب لي ، ولكن سأدلكم على أمر عسى أن يكون فيه هلاكهم ، إن الله يبغض الزنا وإن هم وقعوا بالزنا هلكوا فاخرِجُوا النساء فإنهم قوم مسافرون ، فعسى أن يزنوا فيهلكوا ، فأخْرَجُوا النساء تستقبلهم فوقعوا بالزنا ، فسلط الله عليهم الطاعون فمات منهم سبعون ألفاً .

وأخرج أبو الشيخ عن سعيد بن جبير في قوله { واتل عليهم نبأ الذي آتيناه آياتنا فانسلخ منها } قال : كان اسمه بلعم ، وكان يحسن اسماً من أسماء الله ، فغزاهم موسى في سبعين ألفاً ، فجاءه قومه فقالوا : ادع الله عليهم - وكانوا إذا غزاهم أحد أتوه فدعا عليهم فهلكوا - وكان لا يدعو حتى ينام فينظر ما يؤمر به في منامه ، فنام فقيل له : ادع الله لهم ولا تدع عليهم ، فاستيقظ فأبى أن يدعو عليهم فقال لهم : زينوا لهم النساء فإنهم إذا رأوهن لم يصبروا حتى يصيبوا من الذنوب فتدالوا عليهم .