بحر العلوم لعلي بن يحيى السمرقندي - السمرقندي  
{وَٱتۡلُ عَلَيۡهِمۡ نَبَأَ ٱلَّذِيٓ ءَاتَيۡنَٰهُ ءَايَٰتِنَا فَٱنسَلَخَ مِنۡهَا فَأَتۡبَعَهُ ٱلشَّيۡطَٰنُ فَكَانَ مِنَ ٱلۡغَاوِينَ} (175)

قوله تعالى :

{ واتل عَلَيْهِمْ } أَيُّ إِن لَّمْ يرجعوا بذكر الميثاق ولم يتوبوا فاتل عَلَيْهِمْ { نَبَأَ الذي آتيناه } أي خبر الذي أعطيناه { آياتنا } يعني : أكرمناه باسم الله الأعظم . ويقال : { آتيناه آياتنا } يعني : الكتاب وهي علم التوراة وغيره { فانسلخ مِنْهَا } يعني : خرج منها كما تنسلخ الحية من جلدها . ويقال : تهاون بها ولم يعرف حقها ، ولا حرمتها ، وخرج منها { فَأَتْبَعَهُ الشيطان } يقول : غرّه الشيطان { فَكَانَ مِنَ الغاوين } أي فصار من الظالمين وفي الضالين . قال بعضهم : هو بلعم بن باعوراء كان عابداً من عباد بني إسرائيل ، وكان مستجاب الدعوة ، فنزع الله تعالى الإيمان عنه بدعاء موسى عليه السلام ، وذلك أن موسى عليه السلام قاتل فرعوناً من الفراعنة فجمع ذلك الفرعون الكهنة والسحرة ، فقال لهم : أعينوني على هؤلاء يعني : قوم موسى فقالوا : لن تستطيعهم ، ولكن بجوارك رجل منهم فلو بعثت إليه واستعنت به ، فبعث الملك إلى بلعم فلم يجبه ، فبعث الملك إلى امرأة بلعم الهدايا وطلب منها بأن تأمره بأن يجيب الملك ، فجاءته امرأته وقالت : نحن في جوار هذا الملك فلا بد لك من إجابته . فأجابهم إلى ذلك ، وركب أتاناً له ، وخرج إليهم فسار حتى إذا كان في بعض الطريق وقفت أتانه فضربها ، فلما ألح عليها كلّمته الأتان وقالت : انظر إلى ما بين يديك فنظر فإذا هو جبريل قال له : خرجت مخرجاً ما كان ينبغي لك أن تخرج . فإذا خرجت فقل حقاً قال : فلما قدم عليه أمر له بالذهب والفضة والخدم والفرش فقبل . فقال له : قد دعوتك لتدعو لي على هذا العسكر دعوة . قال : غداً . فلما تلاقى القوم قال بلعم : إن بني إسرائيل أمة موسى ملعون من لعنهم ومبارك من بارك عليهم . فقالوا له : ما زدتنا إلا خبالاً . قال بلعم : ما استطعت غير ما رأيت . ولكني أدلك على أمر إن فعلته فوقعوا به خُذِلوا ونصرت عليهم ، تعمد إلى نساء حسان فتجعل عليهم الحلي والثياب والعطر ثم ترسلهن في عسكرهم . فإن وقعوا بهن خذلوا . ففعل ذلك فما تعرض لهن منهم إلا سفهاؤهم فخذلوا . فأخبر بذلك موسى فدعا عليه فنزع الله منه الإيمان . وقال بعضهم : إنما هو أمية بن أبي الصلت قرأ الكتب ورغب عن عبادة الأوثان وكان يخبر أن نبينا يبعث وكان قد أظل زمانه . وكان يرى أن الوحي ينزل عليه لكثرة علمه . فلما سمع بخروج النبي صلى الله عليه وسلم وقصته كفر حسداً له . وكان النبي صلى الله عليه وسلم إذا سمع شعره قال : « آمن لسانه وكفر قلبه » فذلك قوله : { واتل عَلَيْهِمْ نَبَأَ الذي آتيناه آياتنا فانسلخ مِنْهَا فَأَتْبَعَهُ الشيطان فكان من الغاوين } .