السراج المنير في تفسير القرآن الكريم للشربيني - الشربيني  
{وَمَآ أَرۡسَلۡنَٰكَ إِلَّا رَحۡمَةٗ لِّلۡعَٰلَمِينَ} (107)

ولما كان هذا مشيراً إلى إرشادهم فكان التقدير فما أرسلناك إلا لإسعادهم عطف عليه قوله تعالى : { وما أرسلناك } أي : على حالة من الأحوال { إلا } على حال كونك { رحمة للعالمين } كلهم أهل السماوات وأهل الأرض من الجنّ والإنس وغيرهم طائعهم بالثواب وعاصيهم بتأخير العقاب الذي كنا نستأصل الأمم به ، فنحن نمهلهم ونترفق بهم إظهاراً لشرفك ، وإعلاء لقدرك ، ثم نردّ كثيراً منهم إلى دينك ونجعلهم من أكابر أنصارك وأعاظم أعوانك بعد طول ارتكابهم الضلال ، وارتباكهم في إشراك المحال ، ومن أعظم ما يظهر فيه هذا الشرف في عموم الرحمة وقت الشفاعة العظمى يوم يجمع الله تعالى الأوّلين والآخرين ، وتقوم الملائكة صفوفاً والثقلان وسطهم ، ويموج بعضهم في بعض من شدّة ما هم فيه يطلبون من يشفع لهم فيقصدون أكابر الأنبياء نبياً نبياً عليهم الصلاة والسلام ، فيحيل بعضهم على بعض وكل منهم يقول : لست لها حتى يأتوه صلى الله عليه وسلم فيقول : «أنا لها » ، ويقوم معه لواء الحمد ، فيشفعه الله تعالى ، وهو المقام المحمود الذي يغبطه به الأولون والآخرون ، فهو صلى الله عليه وسلم أفضل الخلق أجمعين .