السراج المنير في تفسير القرآن الكريم للشربيني - الشربيني  
{يَهۡدِيٓ إِلَى ٱلرُّشۡدِ فَـَٔامَنَّا بِهِۦۖ وَلَن نُّشۡرِكَ بِرَبِّنَآ أَحَدٗا} (2)

{ يهدي } أي : يبين غاية البيان { إلى الرشد } أي : الحق والصواب { فآمنا } أي : كل من استمع منا لم يتخلف منا أحد ولا توقف بعد الاستماع { به } أي : القرآن أي فاهتدينا به وصدّقنا أنه من عند الله .

{ ولن نشرك بربنا أحداً } أي : لا نرجع إلى إبليس ولا نطيعه ولا نعود إلى ما كنا عليه من الإشراك ، وهذا يدل على أنّ أولئك الجنّ كانوا مشركين . قال الرازي : واعلم أنّ قوله تعالى : { قل } أمر لرسوله صلى الله عليه وسلم أن يظهر لأصحابه ما أوحي إليه في واقعة الجنّ وفيه فوائد : أحدها : أن يعرفوا بذلك أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث إلى الجنّ كما بعث إلى الإنس . ثانيها : أن تعلم قريش أنّ الجنّ مع تمرّدهم لما سمعوا القرآن وعرفوا إعجازه آمنوا بالنبيّ صلى الله عليه وسلم ثالثها : أن يعلم القوم أنّ الجنّ مكلفون كالإنس . رابعها : أن يعلم أنّ الجنّ يستمعون كلاماً تفهمه من لغتنا . خامسها : أن يظهر المؤمن منهم بدعوى غيره من الجنّ إلى الإيمان ، وفي هذه الوجوه مصالح كثيرة إذا عرفها الناس .

تنبيهات :

أحدها : اختلف العلماء في أصل الجنّ فروي عن الحس البصري أنّ الجنّ ولد إبليس والإنس ولد آدم ، ومن هؤلاء وهؤلاء مؤمنون وكافرون ، وهم شركاء في الثواب والعقاب ، فمن كان من هؤلاء وهؤلاء كافراً فهو شيطان . وروى الضحاك عن ابن عباس أنّ الجنّ هم ولد الجان وليسوا شياطين ومنهم المؤمن ومنهم الكافر ، والشياطين ولد إبليس لا يموتون إلا مع إبليس . وروي أنّ ذلك النفر كانوا يهوداً . وذكر الحسن أنّ منهم يهوداً ونصارى ومجوساً ومشركين .

ثانيها : اختلفوا في دخول الجنّ الجنة على حسب الاختلاف في أصلهم ، فمن زعم أنهم من الجانّ لا من ذرية إبليس قال : يدخلون الجنة بإيمانهم ، ومن قال إنهم من ذرّية إبليس فلهم فيهم قولان : أحدهما وهو قول الحسن : يدخلونها . والثاني وهو رواية مجاهد : لا يدخلونها .

ثالثها : قال القرطبي : قد أنكر جماعة من كفرة الأطباء والفلاسفة الجنّ ، وقالوا : إنهم بسائط ولا يصح طعامهم اجتراء على الله تعالى والقرآن والسنة يردّان عليهم ، وليس في المخلوقات بسيط بل مركب مزدوج ، إنما الواحد الواحد سبحانه وغيره مركب ليس بواحد ، وليس بممتنع أن يراهم النبيّ صلى الله عليه وسلم في صورهم كما يرى الملائكة ، وأكثر ما يتصوّرون لنا في صور الحيات .