السراج المنير في تفسير القرآن الكريم للشربيني - الشربيني  
{لَمۡ يَكُنِ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ مِنۡ أَهۡلِ ٱلۡكِتَٰبِ وَٱلۡمُشۡرِكِينَ مُنفَكِّينَ حَتَّىٰ تَأۡتِيَهُمُ ٱلۡبَيِّنَةُ} (1)

مقدمة السورة:

وتسمى القيّمة ، وتسمى المنفكين ، مكية في قول يحيى بن سلام ، ومدنية في قول الجمهور ، وهي ثماني آيات ، وأربع وتسعون كلمة ، وثلاث مائة وتسعون حرفاً .

{ بسم الله } الذي لا يخرج شيء عن مراده { الرحمن } الذي عمّ بنعمه جميع عباده { الرحيم } الذي خص أولياءه بإسعاده .

ولما كان الكفار جنسين- أهل كتاب ومشركين - ذكرهم الله تعالى في قوله سبحانه :

{ لم يكن الذين كفروا } أي : في مطلق الزمان الماضي والحال والاستقبال { من أهل الكتاب } أي : من اليهود والنصارى الذين كان أصل دينهم حقاً فألحدوا فيه بالتبديل والتحريف والاعوجاج في صفات الله تعالى ، ثم نسخه الله تعالى بما شرع من مخالفته في الفروع وموافقته في الأصول ، فكذبوا . { والمشركين } أي : بعبادة الأصنام والنار والشمس ، ونحو ذلك ممن هم عريقون في دين لم يكن له أصل في الحق ، بأن لم يكن لهم كتاب .

تنبيه : من للبيان . وقوله تعالى : { منفكين } خبر يكن ، أي : منفصلين وزائلين عما كانوا عليه من دينهم انفكاكاً يزيلهم عنه بالكلية بحيث لا تبقى لهم به علقة ، ويثبتون على ذلك الانفكاك ، وأصل الفك الفتح والانفصال لما كان ملتحماً من فك الكتاب والختم والعظم إذا أزيل ما كان ملتصقاً أو متصلاً به ، أو عن الموعد باتباع الحق إذا جاءهم الرسول المبشر به ، فإنّ أهل الكتاب كانوا يستفتحون به ، والمشركين كانوا يقسمون بالله جهد أيمانهم لئن جاءهم نذير ليكونن أهدى من إحدى الأمم .

فإن قيل : لِمَ قال تعالى : { كفروا } بلفظ الماضي ، وذكر المشركين باسم الفاعل ؟

أجيب : بأنّ أهل الكتاب ما كانوا كافرين من أوّل الأمر ، لأنهم كانوا مصدّقين بالتوراة والإنجيل وبمبعث محمد صلى الله عليه وسلم بخلاف المشركين ، فإنهم ولدوا على عبادة الأوثان ، وذلك يدل على الثبات على الكفر .

وقوله تعالى : { حتى } أي : إلى أن { تأتيهم البينة } متعلق بيكن أو بمنفكين ، والبينة الآية التي هي البيان كالفجر المنير الذي لا يزداد بالتمادي إلا طوراً وضياء ونوراً ، وذلك هو الرسول صلى الله عليه وسلم وما معه من الآيات التي أعظمها الكتاب ، وهو القرآن .