ثم لما ذكر سبحانه أن في القرآن تبيان كل شيء ذكر عقبة آية جامعة لأصول التكليف كلها تصديقاً لذلك ، فقال : { إِنَّ الله يَأْمُرُ بالعدل والإحسان } .
وقد اختلف أهل العلم في تفسير العدل والإحسان ؛ فقيل : العدل لا إله إلاّ الله ، والإحسان : أداء الفرائض . وقيل : العدل الفرض . والإحسان : النافلة . وقيل : العدل : استواء العلانية والسريرة ، والإحسان . أن تكون السريرة أفضل من العلانية . وقيل : العدل : الإنصاف ، والإحسان : التفضل ، والأولى : تفسير العدل بالمعنى اللغوي ، وهو التوسط بين طرفي الإفراط والتفريط . فمعنى أمره سبحانه بالعدل : أن يكون عباده في الدين على حالة متوسطة ، ليست بمائلة إلى جانب الإفراط ، وهو الغلوّ المذموم في الدين ، ولا إلى جانب التفريط ، وهو الإخلال بشيء مما هو من الدين . وأما الإحسان فمعناه اللغوي يرشد إلى أنه التفضل بما لم يجب ، كصدقة التطوّع ، ومن الإحسان فعل ما يثاب عليه العبد مما لم يوجبه الله عليه في العبادات وغيرها . وقد صحّ عن النبيّ صلى الله عليه وسلم أنه فسر الإحسان بأن يعبد الله العبد حتى كأنه يراه ، فقال في حديث ابن عمر الثابت في الصحيحين : ( والإحسان أن تعبد الله كأنك تراه ، فإن لم تكن تراه فإنه يراك ) وهذا هو معنى الإحسان شرعاً . { وَإِيتَاء ذِي القربى } أي : إعطاء القرابة ما تدعو إليه حاجتهم . وفي الآية إرشاد إلى صلة الأقارب وترغيب في التصدق عليهم . وهو من باب عطف الخاص على العام ، إن كان إعطاء الأقارب قد دخل تحت العدل والإحسان . وقيل : من باب عطف المندوب على الواجب ، ومثل هذه الآية قوله : { وَآتِ ذَا القربى حَقَّهُ } [ الإسراء : 26 ] . وإنما خصّ ذوي القربى لأن حقهم آكد ، فإن الرحم قد اشتق الله اسمها من اسمه ، وجعل صلتها من صلته ، وقطيعتها من قطيعته . { وينهى عَنِ الفحشاء } هي الخصلة المتزايدة في القبح من قول أو فعل . وقيل : هي الزنا . وقيل : البخل { والمنكر } ما أنكره الشرع بالنهي عنه ، وهو يعمّ جميع المعاصي على اختلاف أنواعها . وقيل : هو الشرك { و } أما { البغي } فقيل : هو الكبر ، وقيل : الظلم . وقيل : الحقد ، وقيل : التعدّي ، وحقيقته تجاوز الحدّ فيشمل هذه المذكورة ، ويندرج بجميع أقسامه تحت المنكر . وإنما خصّ بالذكر اهتماماً به لشدّة ضرره ووبال عاقبته . وهو من الذنوب التي ترجع على فاعلها لقوله سبحانه : { إِنَّمَا بَغْيُكُمْ على أَنفُسِكُمْ } [ يونس : 23 ] ، وهذه الآية هي من الآيات الدالة على وجوب الأمر بالمعروف ، والنهي عن المنكر . ثم ختم سبحانه هذه الآية بقوله : { يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ } أي : يعظكم بما ذكره في هذه الآية مما أمركم به ونهاكم عنه . فإنها كافية في باب الوعظ والتذكير ، { لعلكم تذكرون } إرادة أن تتذكروا ما ينبغي تذكره ، فتتعظوا بما وعظكم الله به .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.