قوله : { إِنَّ الله يَأْمُرُ بالعدل والإحسان } ، أي : بتوحيد الله ، وشهادة أن لا إله إلا الله ، والإحسان إلى الناس ، والعفو عن الناس . ويقال : الإحسان القيام بالفرائض { وَإِيتَآء ذِى القربى } ، أي : صلة الرحم . { وينهى عَنِ الفحشاء } ، أي : عن الزنى . ويقال : جميع المعاصي . { والمنكر } ، يعني : ما لا يعرف في شريعة ، ولا في سنة . ويقال : المنكر ما وعد الله عليه النار . { والبغي } ، يعني : الاستطالة ، والكبر . فقد أمر بثلاثة أشياء ، ونهى عن ثلاثة أشياء ، وجمع في هذه الأشياء الستة علم الأولين والآخرين ، وجميع الخصال المحمودة . وروي عن عثمان بن مظعون أنه قال : ما أسلمت يوم أسلمت إلا حياءً من رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وذلك أنه كان يدعوني ، فيعرض عليَّ الإِسلام ، فاستحييت منه ، فأسلمت ، ولم يقر الإِسلام في قلبي ، فمررت به ذات يوم وهو بفناء بابه ، جالساً محتبياً ، فدعاني ، فجلست إليه ، فبينما هو يحدثني ، إذ رأيت بصره شخص إلى السماء حتى رأيت طرفه قد انقطع ، ثم رأيته خفضه عن يمينه ، ثم ولاَّني وركه ينفض رأسه ، كأنه يستفهم شيئاً يقال له : ثم دعا فرفع رأسه إلى السماء ، ثم خفضه حتى وضعه عن يساره ، ثم أقبل عليَّ محمراً وجهه ، يفيض عرقاً ، فقلت : يا رسول الله ما رأيتك صنعت هذا في طول ما كنت أجالسك ، فقال : « وَلَقَدْ رَأَيْتُ ذَلِكَ » ، قلت : نعم . قال : « بَيْنَمَا أُحَدِّثُكَ إذْ رَفَعْتُ بَصَرِي إلى السَّمَاءِ ، فَرَأَيْتُ جِبْرِيلَ يَنْزِلُ عَلَيَّ ، فَلَمْ تَكُنْ لِي هِمَّةٌ غَيْرَهُ ، حَتَّى نَزَلَ عَنْ يَمِينِي فَقَالَ : يا مُحَمَّدُ { إِنَّ الله يَأْمُرُ بالعدل والإحسان وَإِيتَآء ذِي القربى } إلى آخر الآية » . قال عثمان : فوقر الإيمان في قلبي ، فآمنت ، وصدقته . قال : فأتيت أبا طالب ، فأخبرته بما نزل على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : يا معشر قريش ، اتبعوا ابن أخي ، ترشدوا ، وتفلحوا ، ولئن كان محمد صادقاً أو كاذباً ، ما يأمركم إلاَّ بمكارم الأخلاق . فلما رأى النبي صلى الله عليه وسلم من عمه اللين ، قال : « يا عَمَّاهُ أَتَأْمُرُ النَّاسَ أَنْ يَتَّبِعُونِي وَتَدَعُ نَفْسَكَ » وجهد عليه ، فأبى أن يسلم فنزل { إِنَّكَ لاَ تَهْدِى مَنْ أَحْبَبْتَ ولكن الله يَهْدِى مَن يَشَآءُ وَهُوَ أَعْلَمُ بالمهتدين } [ القصص : 56 ] إلى آخر الآية . قال الفقيه أبو الليث : حدثنا أبو منصور عبد الله الفرائضي بسمرقند بإسناده عن عكرمة ، أن النبي صلى الله عليه وسلم قرأ على الوليد بن المغيرة : { إِنَّ الله يَأْمُرُ بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى وينهى عن الفحشاء والمنكر } إلى آخر الآية . فقال له : يا ابن أخي أعد عليَّ ، فأعاد عليه ، فقال : والله يا ابن أخي إنّ له لحلاوة ، وإن عليه لطلاوة ، وإن أعلاه لمثمر ، وإن أسفله لمغدق ، وما هذا بقول البشر . وقال قتادة في قول الله تعالى : { إِنَّ الله يَأْمُرُ بالعدل والإحسان } الآية . قال : ليس من خلق حسن ، كان أهل الجاهلية يستحسنونه بينهم إلا أمر الله به ، وليس من خلق سيِّيءٍ يتعايرونه بينهم إلاَّ نهى الله عنه .
ثم قال تعالى : { يَعِظُكُمُ } ، أي : يأمركم ، وينهاكم عن هذه الأَشياء التي ذكرها الله في الآية . { لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ } ، أي : تتعظون .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.