التفسير الصحيح لبشير ياسين - بشير ياسين  
{۞إِنَّ ٱللَّهَ يَأۡمُرُ بِٱلۡعَدۡلِ وَٱلۡإِحۡسَٰنِ وَإِيتَآيِٕ ذِي ٱلۡقُرۡبَىٰ وَيَنۡهَىٰ عَنِ ٱلۡفَحۡشَآءِ وَٱلۡمُنكَرِ وَٱلۡبَغۡيِۚ يَعِظُكُمۡ لَعَلَّكُمۡ تَذَكَّرُونَ} (90)

قوله تعالى : { إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي يعظكم لعلكم تذكّرون }

قال الحاكم : أخبرنا الحسن بن حليم المروزي ، أنبأ أبو الموجه ، أنبأ عبدان ، أنبأ عبد الله ، أنبأ عيينة بن عبد الرحمن الغطفاني ، عن أبيه ، عن أبي بكرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " ما من ذنب أجدر أن تعجل لصاحبه العقوبة في الدنيا مع ما يدخر له في الآخرة من البغي وقطيعة الرحم " .

صحيح الإسناد ولم يخرجاه ( المستدرك2/356-ك التفسير ) وأقره الذهبي ، وأخرجه أبو داود( ح4902-ك الأدب ، ب النهي عن البغي ) والترمذي( ح2511-ك صفة القيامة ، ب57 ) ، وابن ماجة ( ح4211-ك الزهد ، ب البغي ) ، وابن حبان ( الإحسان ح455و456 ) ، والحاكم في ( المستدرك2/356 ) ، ( ن6/162 ل636 ) من طرق عن عيينة بن عبد الرحمن به ، وقال الترمذي : حديث حسن صحيح . وقال الحاكم : صحيح الإسناد ، ووافقه الذهبي . قال الألباني : وهو كما قالا يعني : -الترمذي والحاكم- ، فإن رجال إسناده ثقات كلهم . وصحح إسناده أيضا محقق الإحسان .

انظر حديث الحاكم تحت الآية رقم ( 23 ) من سورة يونس .

قال أحمد : حدثنا أبو النضر ، قال : حدثنا عبد الحميد ، حدثنا شهر ، حدثنا عبد الله بن عباس قال : بينما رسول الله صلى الله عليه وسلم بفناء بيته بمكة جالس ، إذ مر به عثمان بن مظعون ، فكشر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم : " ألا تجلس " ؟ قال بلى . قال : فجلس رسول الله صلى الله عليه وسلم مستقبله ، فبينما هو يحدثه ، إذ شخص رسول الله ببصره إلى السماء ، فنظر ساعة إلى السماء ، فأخذ يضع بصره ، حتى وضعه على يمينه في الأرض ، فتحرف رسول الله صلى الله عليه وسلم عن جليسه عثمان إلى حيث وضع بصره ، وأخذ ينغض رأسه كأنه يستفقه ما يقال له ، وابن مظعون ينظر ، فلما قضى حاجته واستفقه ما يقال له ، شخص بصر رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى السماء كما شخص أول مرة ، فأتبعه بصره حتى توارى في السماء ، فأقبل إلى عثمان بجلسته الأولى قال : يا محمد فيم كنت أجالسك وآتيك ؟ ما رأيتك تفعل كفعلك الغداة ، قال : " وما رأيتني فعلت ؟ " قال : رأيتك تشخص ببصرك إلى السماء ، ثم وضعته حيث وضعته على يمينك ، فتحرفت إليه وتركتني ، فأخذت تنغض رأسك كأنك تستفقه شيئا يقال لك . قال : " وفطنت لذاك ؟ " قال عثمان : نعم . قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " أتاني رسول الله آنفا وأنت جالس " ، قال : رسول الله ؟ قال : " نعم " . قال : فما قال لك ؟ قال : { إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي يعظكم لعلكم تذكرون } ، قال عثمان : فذلك حين استقر الإيمان في قلبي وأحببت محمدا .

( المسند ح2922 )وقال محققه : إسناده صحيح . وقال ابن كثير : إسناد جيد متصل حسن قد بُين فيه السماع المتصل ( التفسير4/516 ) ، وقال الهيثمي : رواه أحمد والطبراني ، وشهر وثقه أحمد وجماعة وفيه ضعف لا يضر ، وبقية رجاله ثقات( مجمع الزوائد7/48 ) ، وأخرجه الترمذي من طريق عبد الحميد ابن بهرام به ، وحسنه ( السنن ح3215 ) .

أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة ، عن ابن عباس ، قوله : { إن الله يأمر بالعدل والإحسان } ، قال : شهادة أن لا إله إلا الله ، وقوله : { والإحسان } فإن الإحسان الذي أمر به تعالى ذكره مع العدل الذي وصفنا صفته : الصبر لله على طاعته فيما أمر ونهى ، في الشدة والرخاء ، والمكره والمنشط ، وذلك هو أداء فرائضه . وقوله : { وإيتاء ذي القربى } ، يقول : الأرحام . { وينهى عن الفحشاء } ، يقول : الزنا . { والبغي } ، يقول : الكبر والظلم . { يعظكم } ، يقول : يوصيكم { لعلكم تذكرون } .

قال ابن كثير : يخبر تعالى أنه يأمر عباده بالعدل ، وهو القسط والموازنة ، ويندب إلى الإحسان كقوله تعالى : { وإن عاقبتم فعاقبوا بمثل ما عوقبتم به ولئن صبرتم لهو خير للصابرين } ، وقوله : { وجزاء سيئة سيئة مثلها فمن عفا وأصلح فأجره على الله } ، وقال : { والجروح قصاص فمن تصدق به فهو كفارة له } . . . وقوله : { وإيتاء ذي القربى } ، أي : يأمر بصلة الأرحام ، كما قال : { وآت ذا القربى حقه والمسكين وابن السبيل ولا تبذر تبذيرا } ، وقوله : { ينهى عن الفحشاء والمنكر } ، فالفواحش المحرمات ، والمنكرات ما ظهر منها من فاعلها ، ولهذا قال في الموضع الآخر : { قل إنما حرم ربي الفواحش ما ظهر منها وما بطن } .

أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة ، قوله : { إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى } الآية ، إنه ليس من خلق حسن كان أهل الجاهلية يعملون به ويستحسنونه ، إلا أمر الله به ، وليس من خلق سيء كانوا يتعايرونه بينهم إلا نهى الله عنه وقدم فيه . وإنما نهى عن سفاسف الأخلاق ومذامها .